Wednesday, November 4, 2009

ألفية إبن الجبل - محمود عباس مسعود

ألفية إبن الجبل


نظم

محمود عباس مسعود


إهداء

إلى المتعطشين
لماء الحياة ونفحات الخلود
أهدي هذه الألفية
--------------------------


بسم الإلهْ الربْ الواحدْ الصَمَدْ
ومن هو في الكون ِ خيرُ مُستنـَدْ

يمنحُنا العونَ الذي نحتاجُهُ
ويوقِدُ أمَامنا سِراجَهُ

إن دَعوناهُ يسْمَعُ دُعاءَنا
وإن أتينا بابَهُ يفتحْ لنا

فإنهُ الأكرَمُ في عطائهِ
إن (الوهّابَ) أحدُ أسمائه

ونرفعُ تحية ً للأنبياءْ
ومثلها للأولياءْ الأصفياءْ

نفـّعَنا القديرُ من حضورهمْ
وغـَرَسَ في حقلنا بذورَهمْ

وليرحمْ الرحيمُ كُلَ من تـَرَكْ
أحبابَهُ في الأرض ِ وسْط َ المعتركْ

وهاجرَ إلى الحياة الآخِرة ْ
فلهُ منا التحيات العاطرة ْ

وبـَرَكاتُ البارئ الخفية ْ
لقارئ ِ وسامعْ الألفية ْ

ومن الناظِمْ أطيبَ الأماني
للأهل ِ للأحبة ْ للخلان ِ

لِمنْ لهمْ في القلبِ ركنٌ دائمُ
فقاربُ الأشواق ِ دوماً عائمُ

أخصُّ ربعَ الأردنْ بالسلام ِ
من أهلِنا وصحبنا الكرام ِ

ها قدْ بدأنا بالدعاءِ والسلامْ
والآنَ فلننتقلْ لباقي الكلامْ


يا من توَدُّ رؤية َ الأنوار ِ
ومعرفة جواهر الأسرار ِ

إن كـُنتَ تهوى نفحة َ العرفان ِ
والإقترابَ من حِمى الرحمن ِ

فابشرْ فقد نظمتـُها قصيدة ْ
من ألفِ بيتٍ تحتوي تجديدا

نوَّعْتـُها بالوزن والقوافي
سكبتُ فيها مُنتهى الألطافِ

ضمّختـُها بهمسةِ الوجدان ِ
محبة ً بصحبي وإخواني

ممنْ يحسّونَ بوجدٍ واشتياقْ
للقربِ بالخاطرِ من تلكَ الآفاقْ

لأهل ِ شوق ٍ دُرري ممنوحة ْ
لا لِسواهمْ فلأكـُنْ صريحا

تـُخاطِبُ قلوبَ من بهمْ حنينْ
للمعرفة ْ الروحية ْ.. للروح الأمينْ

أما الذينَ بـِهمْ شكٌّ وارتيابْ
لا فائدة ْ لهمْ من هذا الخطابْ

فليقرأوا في غيرهِ من السطورْ
أقولُ هذا إحتراماً للشعورْ


هذا الكلامُ فقط للتوضيح ِ
والعذرُ إن فاجأهم تصريحي
والآن فلنتابعْ الحديثَ
عن هذهِ الألفيةِ الحديثة ْ

فيها نجومٌ من سماء المعرفة ْ
والصدقُ والإخلاصُ مع روح الوفا

تأتي إليكمْ من ورا البحار ِ
مشحونة ً بالحبِ والإكبار ِ

تـُقريكمُ يا صحبيَ سلامي
وتنقـُلُ لكمْ كلَ احترامي


لقد سمعتُ عن عطشْ في الناس ِ
لكل ِ ما يروي ظما الإحساس ِ

وحيثـُني وصلتُ للينبوع ِ
فكرتُ أن أشرعَ بالمشروع ِ

فأنقـُلُ ماءً نقياً صافيا
يحوي غذاءً نافعاً مع عافية ْ

من بحر أقطاب العلوم العالية ْ
مكتـَسباً من العصور الخالية ْ

من مرشدي الروحاني(1) أتاني المَددْ
والمصدرُ بالطبع ِ الواحد الأحدْ

لا أخفي أنَ قـَبَسي من وهجـِهِ
فإنني مكرَّسٌ في نهجـِهِ

فلمن يرغبْ حقاً بنيل الوطرْ
وبامتلاكٍ للجواهر والدررْ

فالمنجمُ فيهِ كنوزٌ نادرة ْ
لكل ِ نفس ٍ في الحياةِ حائرة ْ

(1) المعلم برمهنسا يوغانندا
تريدُ أن تحلَّ ألغازَ الوجودْ
وتنعَمُ بالقربِ من روح الودودْ


فللذينَ فيهمْ شوقٌٌ للإلهْ
ورغبة ٌ للإقترابِ من سماهْ

يا مرحبا إني لكمْ يا إخوتي
وروحيَ بينكـُمْ في ألفيتي

فكلُ بيتٍ يحمِلُ حنيني
وشوقيَ على مدى السنين ِ


في كل ِ يوم اطلبْ المولى القديرْ
تشعرْ بفيض ٍ من بركاتٍ غزيرْ

واهمسْ لهُ حباً رقيقاً صادقا
وابعثْ لهُ شوقاً عميقاً عابقا

تجِدَهُ أقربْ من القريب ِ
وأكثرَ وداً من الحبيب ِ

إطمَعْ به كأشعب الزمان ِ
أحببهُ كالبخيل ِ للرنـّان ِ

حُبّ المُتيَّمْ للحبيبة ْ الغالية ْ
حُبّ الغريق ِ للأيادي الحانية ْ

فإن بثثتَ اللهَ شوقاً عارما
يأتي إليكَ يا ذا النفس الهائمة ْ

إن الإلهَ كامِنٌ في ذاتِكَ
هيا اكتشفهُ في صميمْ أعماقِكَ


ولا تفكـّـرْ أنَ في الدُنيا صُدَفْ
فإن فعلتَ فيقينكْ من صَدَفْ

قد رتـَّبَ اللهُ لنا هذي الزيارة ْ
لنبحثَ عن الذات اختيارا

لكنما الإنسانُ ينسى الغاية ْ
ويقـَعُ فريسة َ الغِواية ْ

ويضربُ صَفحاً عن التفكير ِ
مع التأمُّلْ في ذات القدير ِ

يظنُ أن نفسَهُ مفصولة ْ
عن مصدر ٍ هي بهِ موصولة ْ

فيقترنْ وعيُهُ بالحواس ِ
ويلهَثُ ركضاً وراءَ الناس ِ

إنْ ذكـَـرَ اللهَ فباللسان ِ
لكنَّ القلبَ في مكان ٍ ثان ِ

والبعضُ صارَ مُلحداً ضليعا
يفخرْ بكفر ٍ.. ينكرُ البديعا

كأنـَهُ المجرّة ْ في السماءِ
لا حبة ً من رمل ِ في الصحراءِ!

طوبى لمن للمولى دوماً يذكـُرُ
وإن ذ ُكِرْ أمامَهُ يستبشرُ

يحيا سعيداً آمناً في ذاتهِ
إذ ْ يتأملْ أروعَ آياتهِ

ثقْ أن مولانا الذي أبدَعَنا
كانَ وما زالَ دواماً معنا

محبة ُ الرحمن ِ قوَّة ْ مُطلقة ْْ
فيها التخلـُّصْ من هموم ٍ خانقة ْ

فاحببهُ حُباً نابعاً من مهجتكْ
تزدادُ نعمة ْ.. تتعاظمْ بهجتكْ

واعلمْ بأن اللهَ ينبوعُ الفرحْ
إن حلَّ في الوجدان ِ يهربُ الترحْ

اهمسْ له حُباً عظيماً فائقا
وابعثْ لهُ ودّاً عميقاً صادقا

يأتيكَ مِنهُ كلُّ خير ٍ مرتجى
تصفو البصيرة ْ ويستنيرُ الحِجى

من يطلبُ عونَ القدير ِ لا سِواهْ
يحصلْ على الفيوض ِ من عند الإلهْ

فبحرُهُ يزخرْ بأمواج المَدَدْ
والدرُ في قاع ِ المحيطِ لا يُعدّ

يمنحْ كنوزاً للذي يطلبُهُ
يثقْ بهِ.. يحبُهُ.. يعبدُهُ

إن عطاءَ اللهِ من غير ِ حسابْ
يحقق المرادَ من دون ِ ارتيابْ

فاحفظـْهُ في أعماقِكَ ليلَ نهارْ
خاطِبهُ همساً وسينزاحُ الستارْ

بحبنا للهِ نـُحرزُ النقاءْ
ونقتربْ خطوة ً من قلب السماءْ

صلِّ لـَهُ يا صاحبي صلِّ لـَهُ
من عُمق ِ وجدانِكَ من دون ِ سهو

واغرسْ بذارَ الشوق في حقل الفؤادْ
تصبحْ حبيبَ اللهِ ما بين العبادْ

ثقْ أن أنظارَهْ عليكَ كلَّ حينْ
لا يترُككْ لا يخذلـَكْ طولَ السنينْ

يشتاقُ مِنكَ دعوة ً ودّية ً
وهمسة ً ووردة ً ندية ً

يا ليتكَ يا صاحبي يا ليتكَ
تعتبرُ قلبَ الإلهِ بيتكَ

فتشعرُ بالدفءِ قربَ الخالق ِ
ويشرقُ وعيُكَ بالبوارق ِ

وإن نظرتَ الشفـَقَ عندَ الغروبْ
فاذكرْ في تلكَ اللحظة ْعلامَّ الغيوبْ

واعلمْ بأنَّ الربَّ ينبوعُ الجمالْ
في البحر ِ والبر ِ وهامات التِلالْ


لا تجزعَنَّ من ظروفٍ وصروفْ
فالمؤمنُ بالحق ِ لا يقهرهُ خوفْ

كن حازماً.. كن جازماً في المُعتركْ
وثقْ بأنَ اللهَ سوفَ ينصُركْ

ويجزلُ لكَ العطاءَ والثوابْ
وإن قصَدْتَ بابَهُ يأتي الجوابْ

فاللهُ يعطينا بـِلا حساب ِ
وإن قـَرَعنا يَهرعُ للبابِ

يفتـَحَهُ ثمَ يقولُ يا هلا
أنتمْ ببيتي هاكمُ شهْدَ الحلا

ترَّشفوا الرحيقَ بالهناءِ
وانتعشوا بَعْدَ ذاكَ العناءِ

مقامُكمْ عندي على الدوام ِ
في مأمن ٍ من قبضة الأوهام ِ

فاستمتعوا بالمجدِ والسعادة ْ
واقتبلوا من قلبيَّ الودادا

أجل..
فاللهُ لا ينسانا من عطائهِ
يُرسِلْ غيوثَ الغوثِ من سمائهِ

يَرُدُّ عنـّا.. يحفـَظ ُ أحبابـَنا
ما دمنا نؤمنْ بهِ مهما انتابنا

واللهُ يعطي من لهُ يرجو ومنْ
ينظرْ إليهِ لا إلى المخلوق ِ

يخفـّفُ عنهُ البلايا والمِحنْ
ويبعدُ الشرَّ عن الطريق ِ

في قلبـهِ نحيا حياة ً هانئة ْ
وتشعرُ بهِ النفوسُ الهادئة ْ

وعندما نحتاجهُ يُسعفنا
بلمسةٍ فيها العزاءُ والهنا

والخيرُ يأتينا كغيثٍ منهمرْ
لا ينقطعْ مددهُ طولَ العمرْ

تباركَ الرحمنُ ما أعظمَهُ
هو لنا دوماً كما نحنُ لهُ

وعندما الوقتُ يحينُ للرحيلْ
ينقـُلـُنا للتوِّ للبيت الأصيلْ

فمن يشعرْ بحبِ اللهِ دوماً
يعشْ سنيهِ في حصن ٍ منيع ِِ

وإن حادَ عن الدربِ قليلا ً
يسارعُ بالرجوع ِ إلى المهيع ِ

فانشـُدْ دوماً يا مريدْ
لرب العز بالتحديدْ

قلبي عامرْ بالإيمانْ
بالذي صاغ َ الأكوانْ

مِنْ خاطري لا يروحْ
هو لي أسمى طموحْ

ذو الجلال ِ والإكرامْ
فيهِ تحقيقُ المرامْ

فيهِ عزّي والأمانْ
عِندهُ حقي مُصانْ

إذا الأجواءُ اكفهرتْ
وجيوشُ الظلمة ْ كرّتْ

يأتي من ربي شعاعْ
فيبددُ الخِداعْ

فيهِ روحٌ ويقينْ
وبركات ُ الأمينْ

وشعورٌ بالحضورْ
ورجاءٌ وسرورْ

أغرفْ من بحر الرحمنْ
تأمَّل بالحقائقْ

تحيا دوماً في أمانْ
تقتربْ من الخالقْ

تتمدَّدْ في الأكوانْ
تتخطى العوائقْ

ترتقي نحوَ الجـِنانْ
بهذا أنا واثقْ

هيا إسعَ جاهداً نحو الإلهْ
علكَ تحظى بلقياه السعيدْ

وتحسُ باقترابٍ من عُلاهْ
فيصيرُ كلُ يوم ٍ مثلَ عيدْ

اهمسْ لهُ فإنـّهُ حبيبُكَ..
يا ربُ إني قد قرعتُ بابـَكَ
فافتحْ لأني أحدُ أحبابـِكَ

فكـّر بقلبكْ بالإله الأعظم ِ
واستبدِلَ التنهيدَ بالتبسُّم ِ

وإذا الزمانُ خادعَ في غيِّهِ
ألفيتَ في اللهِ صديقاً وافيا

ينفحْكَ حباً خالصاً متجدداً
ويظلُ تحنانـُهْ عليكَ ضافيا

فتحسُ أنـّهُ لا يفارقُ مهجتكْ
أكنتَ صحياناً أمْ كنتَ غافيا

وهل سمعتمْ كلمات العارفِ
عن التقرُّب من أبي اللطائفِ؟

فهذهِ الأقوالُ فيها نغمة ٌ
طريفة ٌ وفيها أيضاً حكمة ٌ

لو بغسلْ الجسم ِ الربُ يُعرَفُ
لغدوتُ قيطساً وسْط َ البحار

لو بأكل النـَبتِ حتماً يُدرَكُ
لاتخذتُ شكلَ ماعز بافتخارْ

لو بعدِّ المسبحاتِ يَظهرُ
كنتُ سبّحتُ بحباتٍ كبارْ

لو بسجدٍ للنصوبِ يبرُزُ
لانحنيتُ للجبال ِ والصخورْ

لو بشرب اللبن ِ يُرتـَشفُ
لتذوّقـْهُ العجولُ والصغارْ

لو بهجر الزوجةِ يُستحضَرُ
لاختصى الآلافُ فوراً باختيارْ

كلُ هذي تعجزُ عن كشفهِ
لا ولن تقوى على رفع الستارْ

يظهرُ اللهُ بشرطٍ واحدٍ:
حبُ قلبٍ واشتياقٌ مثلَ نارْ

ولدى التفكيرِ بالمولى الحبيبْ
سوف تأتي ومضاتٌ كالشرارْ

فاسقني دوماً من الماء القـُراحْ
واشفِ يا رباهُ ما بي من أوارْ

الدنيا ملأى بالخداعْ
والأنانية ْ والصراعْ

وليسَ من أمن ٍ سوى
في الاقترابِ من السميعْ

أحبـُكَ من وجداني
من مهجتي والخاطرْ


وبكل ِ لحظة ْ أشتاقـُكَ
يا زهرَ الرُبى العاطرْ

وأسعى نحوكَ دوماً
يحدوني الرجا الزاهر

سألقاكَ.. سألقاكَ
إثرَ تجسدي العابرْ

هو عندي أسمى غاية ْ
والبداية ْ والنهاية ْ

به أعجِبتُ كثيراً
كونهُ أروعْ حكاية ْ

هو نبعٌ متجددْ
منهُ تطيبُ السِقاية ْ

هو يحيا في ضميري
وهو ربُّ النوايا

يا مرشدي خذ بيدي
واهمسْ لي حتى أهتدي

منارتـُكْ هي النجاة ْ
ولمستـُكْ فيها الحياة ْ

يا سيدي.. يا سندي
أنتَ النعيمُ الأبدي

الشمسُ تشرقُ كلَّ يوم ٍ مرة ً
لكنْ حضورُهُ دائمُ الإشراق ِ

والكونُ يخضعُ للزوال إنما
هو الخلودُ الأبديُ الباقي


وروحُهُ يرعى المريدَ دائما
ويدُهُ تحميهِ من كل أذى

ففوقَ ماء الوهم ِ يبقى عائما
مستنشقاً إسمَ الإلهِ كالشذى

عاينـْهُ في الناس ِ الذينَ حولـَكَ
في الأهل ِ.. في الأصحابِ.. تجدْهُ لـَكَ

أما التواضعْ فهو شرط ٌ أكيدْ
هيهات أن تستغني عنهُ يا مريدْ

ما أنتَ إلا ّ قطرة ٌ من بحرهِ
لكنَّ في القطرةِ كلُّ سرّهِ

إياكَ تبسمْ بسمة َ التهكـّم ِ
وليدة َ كهفْ الضغينة ْ المُظلم ِ

ولا ترحّبْ بابتسام ٍ كاللصوص ْ
إذ يسرقُ صِدقَ النوايا والخلوصْ

والبسمة َ الرقطاءَ فاحذرْ إذ هيَ
فيها السمومُ الناقِعة ْ والهاوية ْ

مختبئة ْ خلفَ افترار ٍ ناعِم ِ
قتـّالة ٌ للصادِح ِ والباغِم ِ

واطردْ من النفس ِ براكينَ الغضبْ
إذ تطلِقُ دخانـَها مع اللهبْ

ولا تعكـِّـرْ صاح ِ مرآة الفؤادْ
بسحنةٍ ناشفةٍ مثلَ الرمادْ

والضحكُ إن حاكى صهيلَ "الأبجر ِ"
ينبئُ عن فـَهم ٍ كليل ٍ أعجر ِ

نبعُ السعادة ْ ينبغي أن ينبلجْ
من تربة العقلْ الرزينْ المبتهجْ

ويبعثُ الإشعاعَ مثلَ الجدول ِ
إلى نفوس ٍ تستطيبُ الجذل ِ

ولتنطلقْ بسماتـُكَ نحوَ السما
لنجمِها إذ يعشقُ التبسُّما

وليبتسمْ ربُّ السما من بسمتِكْ
ولينقـُلْ البرَكـَة َ من لمستِكْ

ليغمرَ نفوسَ من هُمْ حولـَكَ
فيفرحوا عندَ سماع ِ قولكَ

وتغتبط ْ للقرب ِ من مصدَرِكَ
وتشعرُ أنَّ الإلهَ مَعَكَْ

اكشفْ عن الإيمان ِ في أعماقِكَ
من حُبـِكَ للهِ.. من أشواقِكَ

فاللهُ يَعملْ دوماً من خلالِكَ
يُرشِدكَ.. ييسرُ أحوالـَكَ

وإن سألتَ حاجة ًً يعطيكها
وإن طلبتَ غِبطة ً يسقيكها

فتنتشي بفرح الرحمَن ِ
وتبتهجْ بنعمة الإيمان ِ

واعلمْ بأنكَ حقاً روحٌ لا جسدْ
لا تفنى بل تحيا دواماً للأبدْ

تأتي إلى الدُنيا وحيداً عارياً
وترجعُ والكفُ منكَ خاويا

مهما جَمَعتَ ها هنا من مال ِ
ستتركُ مخزونكَ في الحال ِ


أما إذا اكتسبتَ عِلماً نافعا
فالعلمُ يغدو لكيانِكْ رافعا

يُدنيكَ من مستويات الروح ِ
حيثُ النفوسُ تحيا بالأفراح ِ

وعِشْ حياة ً كلـها نظافة ْ
تأتيكَ أرواحٌ بها لطافة ْ

وانتهجَ الصِدقَ في كلِّ حال ِ
فالحقُ لا يخشى من التسآل ِ

وقاومْ الوسواسَ والإغراء َ
تكتسب العزيمة ْ والمروءة ْ

سترجَعُ للهِ يوماً فانتهجْ
دربَ الفضيلة ْ.. إن فعلتَ تبتهجْ

وسلـّم الأمرَ إلى الله الأحدْ
يُنجيكَ من كل المخاوفْ والكـَمَدْ

ومهما كنتَ خاطئاً يـَقبلـُكَ
إن قلتَ يا رباهُ إنني لكَ

فاغمُرْني بالرحمةِ أيا سيدي
ها قد مددتُ بالرجا لكَ يدي

اللهُ لن يُحرمُكَ من عَونهِ
لأنكَ متممٌ لكونه ِ

وسوفَ يُرسلْ لكَ أرواحَ السماءْ
كي ينجدوكَ من هُموم ٍ وعناءْ

إفرحْ فإن اللهَ يُحب الفرحْ
فإن كشَّرتَ فاعتبرهُ قد بَرحْ

وإن رغبتَ بالسعادة ْ الدائمة ْ
ففي التأمُلْ تغدو النفسُ عائمة ْ

في أوقيانوس الغبطة ِ الكونية ْ
حيثُ المرائي الرائعة ْ السنية ْ

واذكرْ بأن العقلَ.. الروحَ.. والجسدْ
يشدُّهمْ خيط ٌ كحبل ٍ من مَسدْ

فابْق ِ الجسدْ معافىً من كل سَقمْ
واشحنْ قوى العقل ِ بنيران الهممْ

وغذ ِّ شوقَ الروح ِ بالتأمُل ِ
لتنتعشْ وبالسرور تمتلي

لكل ِ شيءٍ سَمْتـُهُ وسِماتـُهُ
فاللهُ حاشا أن يكررْ ذاتـَهُ

والبحثُ عنهُ يختلفْ بينَ البشرْ
ما مِنْ اثنين ِ لهما نفـْسْ الفكرْ

إعلـَمْ بأنـَكَ زائرٌ أو سائِحُ
لهذه الدنيا وستبارحُ

أنتَ هنا لفترةٍ قصيرة ْ
من بعدِها ترحلْ إلى جزيرة ْ

فيها جمالٌ رائعٌ للغاية ْ
يُبصِرُهُ الصامدُ للنهاية ْ

لا تحصرْ الوعيَ بدنيا واحدة ْ
قصيرةٍ.. وبالنهاية بائدة ْ

واذكر بأنَ الروحَ فيكَ يقطـُنُ
وأنكَ في ذاتهِ مستوطنُ

واسْعَ إلى اللهِ بقلبٍ مُنفتحْ
واطلبْ رضاهُ وبأشواقِكْ فبُحْ

واحفظهُ دوماً دائماً في سِرّكَ
يُيسِرُ في كل حال ٍ أمرَكَ

وإن رغِبتَََََ يا مريداً في الشفاءْ
يأتيكَ من عند القدير ِ في السماءْ

وارفعْ منسوبَ فكرِِكَ كي ترتفعْ
لقلقلاتٍ أبداً لا تستمعْ

واعلمْ بأنَّ الروحَ مِحورُ الوجودْ
وأنـَكَ سوفَ إلى الله ِ تعودْ

فاذكـُرْهُ كـُلَّ لحظةٍ في قلبـِكَ
تراهُ في كل الوجوهِ حولـَكَ

وكنْ وفياً دوماً للصحابِ
فالربُ يأتيكَ من ألفِ بابِ

يأتي إليكَ من خلال الأصدقاءْ
فكـُنْ وفياً لهمُ كلَّ الوفاءْ

فيَدُهُ تأتيكَ من خلالِهمْ
وكـَمْ أطعمْكَ عِنباً من سلالهمْ!

هو الصديقُ الأعظمُ.. لن يَترُككْ
للحظةٍ في العمر ِ.. لا لن يهجُركْ

فثقْ بهِ تراهُ دوماً معَكَ
وكـُنْ لهُ تجدْهُ دائماً لـَكَ

وانصتْ لصوت اللهِ في السكون ِ
تسمعْ صَداهُ في رحاب الكون ِ


وفي السكينة ْ تنبُعْ مياهُ السرورْ
وتغمرُ الإحساسَ بالفيضْ الغزيرْ

فاعلمْ بأنَ اللهَ كـُلـُهُ فرحْ
ومن يحسُّ بحضورِهْ ينشرحْ

وينهلُ من أكرم المنابع ِ
ويتصلْ بأقدس المَرابع ِ

ويشرقُ النورُ على كيانهِ
ويبصرُ الخالقَ في أكوانهِ

لا بَأسَ أن نطلبْ من الوهّابِ
تحقيقَ حاجاتٍ بلا حِسابِ

أما إذا لم يستجِبْ في الحال ِ
لا يعني هذا رفضاً للسؤال ِ

بل قدْ تكونُ عِندهُ هدايا
يريدها لنا مع الهـِداية ْ

ثقْ أن من أبدَعَكَ لن يخذلكْ
ما دُمتَ تؤمنْ أنه حقاً مَعكْ

عزّزْ يقينكْ بالإله الأكرم ِ
واهرعْ إليهِ في المَلمّة ْ واحتم ِ

تجِدْ بهِ حصناً منيعاً في الخطرْ
يحميكَ ويحققُ لكَ الوطرْ


لا تعتبرْ أنكَ خاطئ أو أثيمْ
فجوهرُ اللهِ بكَ حقاً مقيمْ

أكـِّدْ لنفسِكْ أنكَ حبيبُهُ
واذهبْ إليهِ دوماً واقرعْ بابـَهُ

تجِدَهُ مُرحّباً بمقدمكْ
وقائلا ً.. إني لكَ.. دوماً مَعكْ

فقلبُهُ يرعاكَ كلَ ثانية ْ
وروحُهُ دوماً عليكَ حانية ْ

لكنْ متى أحببتهُ من قلبـِكَ
ستجتنبْ ما لا يُحِبُ ربُكَ

وتحيا كي ترضيهِ في أفعالِكَ
وتفحصُ فكرَكَ مع أقوالكَ

اللهُ لن يترككَ دقيقة ْ
ما دمتَ تؤمِنْ أنها الحقيقة ْ

أما إذا شككتَ في حضورهِ
عيناكَ لن تكتحلَ بنورهِ

لا تـُلق ِ بالا ً للذي ينكرهُ
بلْ ابقَ في حضرةِ من يذكرهُ

من ينكر اللهَ جَهولٌ بامتيازْ
وقد رأينا بعضاً من هذا الطرازْ

مع ذلكَ نعذرهمْ لأنهمْ
ضحية ُ الجهل الذي يسكنهمْ

من قالَ أن لا إلهَ في الوجودْ
يديرُ الظهرَ إلى أنوارْ الوَدودْ

فيُمضي العمرَ في شكوكٍ قاتمة ْ
ونفسُهُ المسكينة ْ تبقى نائمة ْ

وعقلهُ يشكو من الجفافِِ
إذ يبتعدْ عن مصدر الألطافِ


والفكرُ فيهُ يبقى في اضطرابِ
مثل السفينة ْ وسَط َ العُبابِ

يضربُها موجُ المحيط بغضبْ
فترشحُ وتترشّحْ للعطبْ

أما الذينَ يؤمنونَ بالرحيمْ
لا يفقدوا الإيمانَ حتى في الجحيمْ

ولو أصيبوا يوماً في الصميم ِ
قالوا مقبولة ْ من يد الكريم ِ

كلُ النفوس ِ سواسية ْ في الجوهر ِ
بالرغم ِ من تبايناتْ المظهر ِ

والفرقُ بينَ المرشد ِ والطالب ِ
المرشدُ قامَ بجُهدْ الراغب ِ

وهامَ في حبِ الإلهِ الأعظم ِ
فأصبحَ إلى السماءِ ينتمي

وبرهنَ للهِ عن أشواقهِ
فسكنَ الرحمنُ في أعماقهِ

فالفكرُ مثلَ المغناطيس الجاذبِ
وفعلهُ بالفعل ِ كالعجائب ِ

يعملُ في الحُبِّ وفي البغضاءِ
ويجتذبْ أصحاباً مع أعداءِ

من فكـَّرَ بالطيبينَ يجتذبْ
إليهِ هؤلاءَ من دون ِ تعبْ

من يفتكرْ دوماً بمن يكرههمْ
بالفكر ِ يحيا طولَ الوقتِ معَهمْ


إن عاثت الضغائنْ في أفكارهِ
عادَ ليجني الغرسَ مع بذارهِ

أما الخطيئة ْ فهي ما يُنسي
الإنسانَ عن ذِكر الحكيمْ القـُدسي

والذاكِرُ للهِ أنـّى يقترفْ
ما ليسَ يسمحْ باقترافهِ الشرفْ

الكونُ كلُ الكون ِ مسرحية ْ
وصورٌ واضحة ٌ جلية ْ

يُبصرها الوعي الذي لم يستعِدْ
وحدَته لأنه عنها ابتعَدْ

والمتوحِّد صاحبُ الأحوال ِ
يبصرُ النورَ من ورا الأشكال ِ

تلكَ هي حالاتُ كشفٍ فائقة ْ
يعرفها الصوفية ُ العمالقة ْ

ولهمُ القدرَة ُ على الإنطلاقْ
لأي ركن ٍ ها هنا أو في الآفاقْ

لكنهمْ لا يفعلونَ المعجزاتْ
كي يجذبوا الناسَ ألوفاً ومئاتْ

فالمعجزة ْ الكبرى هي حُبُّ الإلهْ
ومن يُحبُ اللهَ لا يبغي سواهْ

امتلِكْ الإيمانَ وكنْ حذِرا
واستعملْ التمييزَ مع كل الورى


فاللهُ قد وهبنا العقولا
لنبصرَ ونفعلَ المعقولا

وانتق ِ الصحبَ بعناية ْ وافية ْ
ولتكنْ النوايا دوماً صافية ْ

والإحترامُ بين الأصدقاء ِ
همزة ُ وصل ٍ لدرءْ الجفاءِ

من يتجاوز عتباتْ الإحترام
يضيّعُ من يدهِ الصحبَ الكرامْ

إن استهزأتَ بهمْ أو غاضبتهمْ
فما هُمُ لكَ ولا أنتَ لهمْ

وإن أردتَ دوماً ودَّ الطيبينْ
فكنْ ودوداً واحترمهمْ كلَّ حينْ

العالـَمُ يَغرُسْ بـِِكَ ضَلالـَهُ
ويضعُ في بيدركْ غِلالـَهُ

ويزرَعُ بذورَهُ في حقلِكَ
ويهمُسُ تضليلهُ لعقلِكَ

لكنـَّهُ لن يتكاتفْ معكَ
عندَ الحسابِ مهما كانَ وضْعُكَ

فلا تغال ِ بصديق ٍ زائفِ
مهما رأيتَ فيه من لطائفِ

بل غال ِ بالله الذي أبدَعكَ
ومَنْ إذا ناديتهُ يسمعُكَ

ويأتي للفور ِ إلى نجدتِكَ
ما دمتَ تؤمِنْ أنهُ حصتـُكَ

وانثرْ حبوبَ حُبهِ حيثُ تكونْ
واذكرهُ في المحافل ِ أو في السكونْ


وامش ِ على درب المحبة ْ نحوَهُ
بصحبةِ من يحمل الشوقَ لهُ

واحفظهُ في سِركَ صبحاً مع مساءْ
وارفعْ إليه البصَرَ نحوَ السماءْ

واقض ِ بنخوة ْ حاجة َ المحتاج ِ
فقدْ يكونُ هو من تناجي

يأتيكَ في شكل ِ فقير ٍ مُعدَم ِ
يا ما تزيّا بالرداء الآدمي!

من قالَ هذا وهْمٌ هو الواهمُ
يهذي.. يهذرمْ.. يشخرْ..فهْوَ نائمُ!

لا تتعلقْ بنتائج العملْ
إن التعلـّق يجلِبُ شتى العِللْ

ومن يؤدّي واجباً يرتاحُ
حتى إذا أخطأهُ النجاحُ

لا يأسفُ إن أخفقَ في سعيهِ
ما دامَ يؤمنْ في قرارة وعيهِ

إن الحياة َ عِملة ٌ وجهاها
الفوزُ وجهٌ والفشلْ قفاها

فيدركُ استحالة َ فصلْ الفشلْ
عن صنوهِ النجاح ِ في دنيا العملْ

ويرتضي بالواجبِ إنجازا
فالواجبُ المحورُ والركيزة ْ

أما النتيجة ْ فلتكنْ مهما تكنْ
إبقَ كما أنتَ كبيراً.. لا تهُنْ


التجربة ْ قد تـُنهك العزيمة ْ
وتوحي للمُريدِ بالهزيمة ْ

أما إن استجارَ برب البشرْ
ينهزمُ الوسواسُ كلمحْ البصرْ

وترجعُ السكينة ْ للفؤادِ
وتصبحُ الأيامُ كالأعيادِ

اللهُ يفهمْكَ وإن لم يفهَمُكْ
كلُ البشرْ.. يواكبكْ.. يبقى معكْ

يرعاكَ بالعطفِ وبالحنان ِ
ليُشعِرَ قلبَكَ بالأمان ِ

الغيرُ لن يرافقوكَ للأبدْ
ومن يرافِقـْكَ هو المولى السندْ

الأهلُ والأحبابُ مع كل الرعيلْ
لا ينفعوكَ أبداً بعدَ الرحيلْ

قد يذرفوا الدمعَ وقد يفتقدوكْ
وفي التأبين ِ بالعيون ِ يفتدوكْ

لكنَّ بعدَ شهر ٍ أو بعدَ شهورْ
يتابعوا السهراتِ بكل ِ سرورْ

وتصبحُ يا صاحبي صنو الخَيالْ
حتى ولو خطرتَ لهمْ على بالْ

أما الذي يبقى معكْ لا يهجُرَكْ
اللهُ مَن بالبركاتِ يغمُركْ

لم يترككْ في الأرض ِ ولن يترككْ
في عالم الغيبِ هو دوماً معَكْ


فخصّص الوقتَ لهُ تشعرْ بهِ
طوبى لمنْ يفتكرُ بربهِ

وعندما يحينُ موعدُ الفراقْ
تذهبْ على الفور ِ إليهِ باشتياقْ

لا تتحسّرْ ولا تشعرْ بالندمْ
حيثكَ للبقاءِ.. ليسَ للعدمْ

هذه الأرضُ لنا كالمدرسة ْ
رغمَ ما تحويهِ من كل الأسى

نترقى فيها نحوَ الأمثل ِ
لنـُعاينْ بعدها النورَ الجلي

إن كبونا فعلينا بالنهوضْ
مهما كابدنا المتاعِبْ والرضوضْ

وإذا الأشواكُ في الدربِ نمَتْ
وإذا الهمة ُ في السعي خبَتْ

فالحياة ُ فيها شوكٌ وورودْ
وبها التثبيطُ أيضاً والصمودْ

مثلما فيها الشجنْ والإبتسامْ
وارتدادٌ واندفاعٌ للأمامْ

فلنسرْ نحوَ السعادة ْ مسرعينْ
واضعينَ الفكرَ بينَ الحاجبينْ

فالجبينُ مركز الوعي اللطيفْ
هذه المعلومة ْ للشخص الحصيفْ

فاحصرْ الفكرَ بقلبْ الجبهةِ
إن تعطشتَ لشرب الغبطةِ

ولدى النوم ِ وإطباق الجفونْ
حدّق بالظلمة ِ ما خلفَ العيونْ

وعيُكَ يمتدُ نحوَ المُطلق ِ
وبذاتِكْ سوفَ حتماً تلتقي

وارقـُبْ الأنفاسَ شهقاً وزفيرْ
يهدأ القلبُ ويرتاح الضميرْ

واغتمضْ أجفانكَ نصفَ الغموضْ
تنتشي النفسُ وينزاح الغموضْ

خفـّفْ الوجباتِ ما قبلَ المَنامْ
حتى ترتاحَ وتبصرْ في المنامْ

من مَراءٍ مُبهجة ْ للخاطر ِ
وتحسُ بنشاطٍ غامر ِ

وامش ِ يومياً لساعة ْ كاملة ْ
حتى لا تبقى الدماءُ خاملة ْ

وانهضْ عندَ الفجر ِ تشعرْ بالسرورْ
قيلَ أن البركاتِ في البكورْ

وتأملْ خيراً حتى في الوطيسْ
فالتفاؤلْ له فِعلُ المغناطيسْ

يجذبُ الخيرَ كذرّات الحديدْ
التفاؤل ها هنا بيتُ القصيدْ!

وابتسمْ يا صاح في وجه الهمومْ
غيرُ وجهِ الله ِ لا شيءَ يدومْ

ولا تناقشْ ملحداً موهوما
إلا إن كان يبتغي علوما

وصادقاً في طلب الحقيقة ْ
لا ليؤكدْ كـُفرَهُ الصفيقا

فإن وجدتَ فيهِ من إخلاص ِ
فقدْ تساعِدهُ على الخلاص ِ

من قبضةِ الكـُفرْ المقيتْ الخانق ِ
وتعملُ وسيلة ً للخالق ِ

واثبُتْ إذا هبَّ الخداعُ بوجهكَ
ولتستعنْ عليهِ باسم ِ ربكَ

الله غبطة ْ أبدية ْ دائمة ْ
وهو الحكمة ْ في النفوس العالمة ْ

يظـْهرْ أمامَ كل ِ من يهواهُ
ولا يهيمُ بشيءٍ سواهُ

يراهُ نوراً مالئَ الوجودِ
يحسّهُ روحاً بلا قيودِ

يسمَعُهُ كصوتِ أوم الأزلي
فينتشي وبالسرور ِ يمتلي!

والآنَ هيا نضحكْ يا رفاقي
فالضَحكة ُ دواءٌ للخفـّاق ِ

كانَ أبو العزماتْ شرّيباً محترفْ
يجرع ْ كثيراً، من عواقبْ لم يخفْ

وذاتَ يوم ٍ قابـَلَ حكيما
تنسَّمَ من نفحهِ السلاما

فتاهَ باللـُقيا سروراً واعتزمْ
ألا ّ يذوقَ الخمرَ، قالَ للخدمْ:

ضعوا النبيذ َ في سردابٍ مُقفل ِ
وهاكمُ المفتاحَ كـُرمال الولي!

فقط ْ لضيفٍ قدموا السُلافة ْ
بحسبَ ما توحي به الضيافة ْ

(بو العزم) ظلَّ ينعمْ بالسلام ِ
والفرحُ يقطرْ من المسام ِ

بسبب التصميم ِ ضدَ الشربِ
والغبطة ْ في العثور ِ على الدربِ

وفترة ٌ مرّت ولم يشعرْ بها
لجرعة الطلا بأدنى مُشتهى!

فابتسم َ وتمتم َ مؤكدا:
لا عدتُ أحسو المتخمِّر أبدا!

فقد قهرتُ التجربة ْ يا فرحي!
لا من ضميري بعد اليوم ِ أستحي

واستلمَ المفتاحَ للسردابِ
كيما بنفسهْ يسكبْ للصحابِ

وإذ تذوقْ نكهة َ السعادة ْ
قالَ بلغتُ ذروة َ الإرادة ْ

لا حاجة ْ أن أذهبْ دواماً للقبوْ
من أجل جلب الراح ِ كيما يشربوا

سأضعْ القناني في الخِزانة ْ
كونيَ أستمتعُ بالحصانة ْ

ومرَّ أسبوع ٌ ولا أدنى كدرْ
صاحبنا حكَّ رأسهُ ثم افتكرْ:

ما دمتُ أ ُفلتُ من الإغراء ِ
للشربِ إصباحاً مع الإمساء ِ


فلأنظرْ للمشعشعْ في الزجاج ِ
هيهاتِ أن أعلقَ في السياج ِ

وهكذا عبأ َ دورقاً محترما
وبات بالتحديق ِ فيه مغرما

وقال إذ أني حصينُ الأمر ِ
لا بأسَ أن أنشقْ عبيرَ الخمرِ

بعد انقضاءِ مدة ٍ قليلة ْ
جاءَ برأي ٍ - هاكم التفصيلا:

قالَ لأني صرتُ فوقَ المُشتهى
ما عدتُ أخشى الراحَ أو أأبه لها

لكنما دعني أبرهنْ عزمي
بجرعة ٍ أرشفها بفمّي

من ثمَ ألفظها على الفور فلا
تلامسُ جوفيَ ذراتُ الطلا

ففعلَ ما فكـّرَ ثم انتوى
أن يحتسي مما به الكأسْ احتوى

ولم تمرُّ فترة ٌ طويلة ْ
حتى وعادَ مدمناً أصيلا!

سلامة السامع ِ مع القارئ ِ
يحرسُكمْ من كلِّ أمر ٍ طارئ ِ

اجلبْ إلى عالـَمكَ شيئاً جديدْ
وخاطبْ الرحمنَ وانشدْ يا مريدْ:

إنني أدركُ حدساً
أنكَ في الروح ِ تسكنْ

وبطيات الشعور ِ
حبـُكَ القدسيُ يكمُنْ

قد بحثتُ عنكَ دهراً
بين حلم ٍ وطموحْ

ليتني ألقاكَ يوماً
وبأشواقي أبوحْ

فتعالَ من عبير الوردِ
من غور الضميرْ

علني أبصرْ محياكَ
ومن شوقي أطيرْ

أنشدْ لهُ من قلبِكَ نشيدا
مردداً أبياتَُهُ ترديدا..

ما كنتَ يوماً نائيا
يا ساكناً قلبَ الفؤادْ

ما كنتَ يوماً جافيا
يا فيضَ حبٍ معْ ودادْ

هيهاتَ تسلو من لكَ
ومنْ منَ الدنيا اشتكى

عذراً له إذا بكى
شوقاً وأضناهُ السُهادْ!

أنتَ الصديقُ والقريبْ
أنتَ النجيُّ والحبيبْ

الروحُ في قربكْ تطيبْ
وتحرقُ ثوبَ الحِدادْ

في الطفل ِ أبصركَ ملاكْ
تختالُ في أحلى حلاكْ

والشمسُ تروي عن بهاكْ
يا هديَ من رام السدادْ

عن عينيَّ قد تختفي
وبالسكوتِ تكتفي

لكنْ خطايَ تقتفي
وتوري في الليل الزنادْ

أنتَ المغرِّدْ في الطيورْ
أنت العبيرُ في الزهورْ

وهمسة ُ الحبّ الطهورْ
يذيبُ دِفئـُها الجمادْ

أنتَ تسيرُ في الأنامْ
إلى الأعالي والأمامْ

يا حبذا نعطي الزمامْ
لكَ فتبلغنا المرادْ

لكَ المحبة ْ والجميلْ
والشكرُ صُبحاً مع أصيلْ

العينُ من ذكركْ تسيلْ
فيغمر الدمعُ السوادْ

وكنْ جريئاً جرأة الغضنفر ِ
فبرمهنسا أنشدَ في الظـَفـَر ِ:

النجومُ الزُهرُ قد غاصتْ إلى قلب الظلامْ
وكذا شمسُ النهار ِ المُتعبة ليلا ً تنامْ

وافترارُ البدر ِ ولـّى وتلاشى بالتمامْ
وأنا ما زلتُ أمشي واثقاً نحو الأمامْ


ودولابُ الدهر ِ لا يرحمْ ويسحقْ ساخرا
ألفَ شمس ٍ.. ألفَ بدر ٍ.. ألفَ نجمة ْ زاهرة ْ

ألفَ صبح ٍ مُشرق ٍ بالابتسامْ
وأنا ما زلتُ أمشي واثقاًً نحو الأمامْ

فتـّحَ الوردُ للحظة ْ عابرة ْ ثم ذ َبـُلْ
والثمرْ قد أينعَ فصلا ً قصيراً واضمحلْ

ألفَ جبار ٍ عنيدٍ قد غدوا صنوَ العدمْ
وأنا ما زلتُ أخطو واثقاً نحو الأمامْ

حِقـَبُ الدهر ِ تزولُ دونَ أن تتركْ أثرْ
وسهامي نفدتْ وسْط َ الوطيس المستعرْ

والحياة ُ تتحدّى وتلوِّح بالآلامْ
وأنا ما زلتُ أمشي واثقاً نحو الأمامْ

حاولَ الموتُ مع الظلمة ْ وأشباحُ الفشلْ
أن يسدوا الدربَ في وجهي كثيراً كي أضلْ

إنما إيماني لا يخبو بخلا ّق الأنامْ
ولذا أمشي حثيثاً يا رفاقي للأمامْ!

ما أروعَ الحديثَ عن نور العقولْ!
والآن هيا نحتفي بوعي الروح ِ فنقولْ:

يا أيها الوعيُ الذي يحيا بنا وبهِ نعيشْ
أحسـّـكَ في عمقيَّ وصدريَ بكَ يجيشْ

ما أنتَ بالنائي ولا مُنفصلا ً عن مهجتي
وكلما قاربتكَ تزدادُ عمقاً بَهجتي

ما أنتَ إلا ذاتيَّ، ولستَ عني بالغريبْ
لأنكَ تحيا بيَّ كالنسغ ِ في الغصن الرطيبْ


وإذا اقتربتُ خُطوة ً منكَ تجيءُ مهرولا
نحوي لكيما نلتقي وتطيرُ بي نحوَ العُلى

يا وعي يا نبضَ الإله ِ الخافق ِ في ذاتيَّ
أنا لكَ منذ البداية ْ مثلما أنتَ ليَّ

وأراكَ في عين البصيرة ِ ماكثاً دوماً معي
تشدو لي شدواً رخيماً أو تكفكفَ أدمعي

وإذا اكفهرَ الجوُ أو تلبّدَ بالغيومْ
تنثرْ نجومَكَ في سمائي وفي فضائيَ تحومْ

لا لم تغبْ عني ولو لثانية ٍ ولحظة ْ
لأنكَ تغمرني وبالسعادة ِ منكَ أحظى

يا همسة ً أطلقـَها في الكون ِ ربُ العالمين ْ
ونغمة ً عُلـْوية ً فيها الرجاءُ واليقينْ

تشِدُّ دوماً أزرَنا، تأتي بنا إلى الطريقْ
لأنكَ روحُ الوفاء ِ وهل سواكَ من صديقْ!

وأنكَ الدرُ الثمينُ، وإنكَ كنزُ الكنوزْ
من صاحَبكْ يا وعي بالغبطة ْ يفوزْ

رافقتنا منذ ُ الولادة ْ وستبقى معنا للأبدْ
حتى لدى ارتحالنا بأمر الواحدْ الأحدْ

يا وعي يا قـَبـَسَ الضياء ِ ومبعثَ كل الهناءْ
لا العتمة ُ تقدرْ عليكَ ولا يحيقُ بكَ الفناءْ

متِصلٌ أنتَ مع الذي أبدَعكَ من نوره ِ
فيكَ مزاياهُ العظيمة ْ مع بحار ِ سروره ِ

من يطلبُ خبزَ الحياة ِ لقلبه ِ ولعقله ِ
تمنـَحْهُ سؤلَ فؤادهِ، مباركاً بحقله ِ


يا وعي يا صوتَ الضمير الحيّ في الرجل الشريفْ
وخفقة َ الوجدان ِ والتحنان ِ والحس اللطيف ْ

من يعرفكْ لا يعرفُ الخديعة َ والإلتواءْ
لأنكَ روحُ الشهامة ِ والكرامة ِ والإباءْ

من يعرفكْ يمشي بنور الله ِ ليلا ً مع نهارْ
لا يرهبُ قوى الظلام ِ ولا يحيق به الدمارْ

فبكَ يعيشُ الله ُ مع ملائكة ِ السماءْ
وبكَ انطلاقُ النفس ِ الطاهرة ْ نحو العلاءْ

ونورُكَ يهدي إلى الدروب ِ المفضية ْ إلى السلامْ
ومن يعشُ بنورك َ يأبى التخندقَ في الظلامْ

يا نغمة َ الأمل ِ المشع ِ وهمسة َ الحبْ النقي
في بحركَ تحلو السباحة ُ ومن مياهكَ نستقي

وإنكَ تشعُ مثلَ الراديومْ دونَ انقطاع ْ
ومن يراكَ يبتهجْ ويأمنُ شرَّ الضياع ْ

وتبقى أنتَ الجوهرُ في الكون ِ من دون ِ فناءْ
لأنكَ منبثقٌ عنْ منْ هو روحُ البقاءْ

يا إلهي، يا رفيقي الأبدي
إنكَ أيقظتني بعد الكرى

قد صحوتُ وتلاشتْ غفوتي
أيجوزُ أن أنامَ يا ترى!

إنما عِدني إذا حَلَّ الوسنْ
ستصحّيني بلمح البصر ِ

إن أهوالَ الحياةِ والمحنْ
كـُلـُها زالتْ ولا من أثر ِ


صارَ حزني عبراتٍ في الجفونْ
إنما دمعُ المسرّة ْ والهناءْ

غبطتي تشتعلُ مثل الأتونْ
وبيَّ الأقباسُ تسطعْ بالبهاءْ

وشعاعاتكَ تـُنعشْ فكريَّ
وتـَحِدُ من شرود ٍ أو ركودْ

يا إلهي فتقبّلْ شكريَّ
كونكَ أيقظتني بعد الرقودْ

ها سكوني يشبهُ الأفقْ الرحيبْ
يتمددْ.. ينطلقْ فوقَ الغيومْ

يتوهجْ غبطة ً مثل اللهيبْ
يحرقُ الأحزانَ يجتثَ الهمومْ

ويريحُ النفسَ من عبء التعبْ
ويداوي القلبَ من كل الكلومْ

فإذا ظِلُ الجزَع ْ مني اقتربْ
وإذا أوجستُ آثارَ السمومْ

للسكينة ْ ألتجئ حتى أعبّ ْ
سلسبيلَ النشوة ِ ثم أعومْ

في مياه الأمن ِ في بحر اليقينْ
راجياً عونَ القدير ِ أن يدومْ
وأحسُ قربَهُ يوماً بيوم!

إن تذكـّرتَ الإلهَ في الصباحْ
ولدى الظـُهرِ وإبـّانَ المَساءْ

ستحِسُّ بنشاط ٍ وانشراحْ
وتـُحلـِّقْ كالنسورِ في الفضاءْ


وستـُمضي وقتـَكَ بالإرتياحْ
وتـُزَّفُ كالشذى فوقَ الهواءْ

ثِقـَتـُُكْ بالخالق ِ أمضى سلاحْ
فتدرَّعْ باليقين ِ والرجاءْ

إن طلبتَ اللهَ يُنبوعْ الصلاحْ
تغتني.. بلْ تـُمسي أغنى الأغنياءْ


حِبْ الفضيلة ْ وحدُها طليقة ْ
ما مِن سِواها حرٌ في الخليقة ْ

تـُرشِدُكَ الصعودَ للأعالي
إلى ذرىً أعلى مِنَ الجبال ِ

لو الفضيلة ْ كانتْ يوماً واهنة ْ
لزارها من السما إلهنا!

والإلهُ بلِسانْ الأنبياءْ
قالَ قولا ً فيهِ هَديٌ وضياءْ

إنَّ من يذكـَرني أذكُرُهُ
لا أغيبُ عنهُ أو عَني يغيبْ

فيراني ماثلا ً في ذاتِهِ
ويحسُّ أنني منهَ قريبْ

ربّاهُ يسِّر وامنحْ النعمة ْ من الكفّ السخي
واشحنْ عزيمة َ راغبٍ في الله كي لا ترتخي

واغمرْ كيانـَهُ يا مولايَ بالضياء المنعش ِ
كيما تقرُّ نفسُهُ ولا تعودُ تختشي

كائنات النور ِ إن كنت ِ عن العين ِ خفية ْ
إنما تعطين َ للقلب ِ سلاماً أبديا

عندما الأجفانُ تدمعْ
وبحس الروح نضرع ْ

عندما الأقدامُ تعثرْ واليقينياتُ تصغرْ
دعنا يا رباهُ نـُبصرْ للشعاعات السنية ْ

نحنُ إذ نمشي دروباً مُقفرة ْ
ونرى الجوَّ قتيماً مكفهرا

نكبو أحياناً وطوراً نتوجعْ
نتمنى ملجأ ً للنفس ِ فيه تهجعْ

ليتنا إذ ذاكَ نسمعْ
همساتٍ تشجيعية ْ

وعلينا النورُ يطلعْ
من ذرى الروح الخفية ْ

أنتَ يا رباهُ تعلم حالـَنا
وتحقق إحتياجاتٍ لنا

إن تألمنا عليكَ بالعزاءْ
أو تعطـّشنا فلا تحرمنا ماءْ

وإذا الأسقامُ وافتنا تجودُ بالدواءْ
مشكلاتُ الناس ِ يا ربُ كثيرة وعصيّة ْ
إنما الأكبرُ منها رحمة ُ الذات العليّة ْ

عندما نرنو إلى النور البعيدْ
ونحِنّ ُ للطمأنينة ْ بإيمان ٍ وطيدْ

أعط ِ للروح ِ جناحاً كي تطيرْ
علـّها تدنو من النور ِ وتواً تستنيرْ

وتحسُ الأمنَ يغمُرْها كأمواج المحيط ْ
فتميّز جوهرَ الأشياء ِ من بين الخليط ْ

وتعيشُ العمرَ نشوانة ْ رضيّة ْ
بابتهاجات ٍ عميمة ْ
وسعادة ْ سرمدية ْ

من وحَّدَ الرحمنَ أضحى موحِّداً
مترسّخاً في ساحةِ التوحيدِ
طوبى لها من ساحةٍ عصريةٍ
مفتوحــــةٍ للفكر ِ والتجديــــدِ
رحبة ْ، مُشعُّ بالبوارق ِ أ ُفـْقها
لا تخضعُ للحصـــر ِ والتقييـــد ِ
عليائـُها أبراجُ سَعد ٍ نيّـــــــــرة ْ
والحقُ فيها مُلكُ كل ِ مريــــــــدِ
أنسامُها حُبٌ رقيقٌ عابقٌ
ونهجُهـــا هديٌ إلى المعبـــــــودِِ
ينبوعُها الفيّاضُ عذبٌ ماؤهُ
وثمــارُها أشهى من العنقــــــــودِ
كنوزُها موهوبة ٌ للمجتهدْ
للراغبِ بالفتــــــح ِ.. بالصعــــــودِ
أصحابُها قومٌ كِرامٌ زانهم
عقلٌ بصيرٌ رافضُ التشديـــــــــــــدِ
لا يعرفونَ الحِقدَ مهما قوبلوا
بالبغض ِ والشحناءِ والتنديــــــــــد ِ
يا روضة ًً فوقَ الفراقدِ والسُهى:
روحُ الضمائرِ راحــــــــة ُ الأكبـــادِ
سقياً لكِ ولمائكِ وسمائكِ
يا واحـــــــــة ًً للرائح ِ والغــــــــادي
الشمسُ فوقـَكِ تسطعُ، والحبُّ فيكِ يرتعُ
والأمـــــــــنُ مبذولٌ لكل ِ فـــــــــــؤادِ
أركانـُك ِ قد رصّعتها معارفٌ
والصدقُ بينَ ذويــــكِ خيرُ مُنـــــــــادِ
أبوابُكِ مفتوحة ٌ، علومُكِ ممنوحة ٌ
أزهارُكِ فوّاحــــــــة ٌ، بنفحة الإرشــادِ
يا ساحة ً لا تعرف الضيقَ ولا
تكفـّـــــــــــــرُ أياً من العبـــــــــــــــــادِ
بدرُ المحبة ِِدائمـــــــــاً متألقٌ
في أفـْقكِ يا ساحـة َ التوحيـــــــــــــــــدِ

ولنحتفِ قليلا ً بالتجددِ
نستلهمُ الرحمنَ ثم نبتدي:

باركَ اللهُ التجددْ فيهِ معنى الإرتقاءْ
وبهِ الآفاقُ تمتدُ إلى قلب السماءْ

فتصيرُ رؤية ُ المرء ِ مشعة ْ كالضياءْ
بالتجددْ يمعنُ الفكرُ صعوداً للعلاءْ

فبهِ فتحٌ جديدٌ وبه أنجعْ دواءْ
يُفِعمُ النفسَ بتيار المروءةِ والإباءْ

وتصير يقظة ُ الروح ِ وشيكة ْ لا مراءْ
يشحنُ الأعصابَ والهمة ْ بعزم الكهرباءْ

يستحثُ النفسَ كي ترتادَ طيات الهواءْ
يملأ ُ القلبَ بإحساس المحبةِ والوفاءْ

يـُلهمُ الخاطِرَ تفكيراً سليماً واهتداءْ
يقهرُ الخوفَ ويمحقهُ فيغدو كالهباءْ

يفتحُ الأبوابَ نحو الخير ِ من دون ِ عناءْ
ويرشُ الذاتَ أفراحاً كشلالاتِ ماءْ

ويدقُ أوتاداً بأكفان البلادة ِ والغباءْ
ويهبْ للوجهِ هالاتِ التبسم والرضاءْ

ويمزّق حُجُبَ الجهل فنبصر بصفاءْ
ويقولُ ابتهجوا وكونوا سعداءْ
باركَ اللهُ التجدد في الصباح ِ والمساءْ!

وبعد ما احتفينا بالتجددِ
ما رأيكمْ بقصة ْ عن معبدِ؟

شيّدَ البنـَّاءُ يوماً معبدا
أبرزَ فيه ِ مهارة ْ وفنون ْ

وطلا الجدرانَ تبراً فغدا
بهجة َ القلبِ وملتذ العيونْ

وأشادَ الناسُ في فخم البناءْ
مادحينَ السقفَ منهُ والعَمَدْ

قالوا هذا الصرحُ لا يعرفْ فناءْ
هيكلُ الباني يدومُ للأبدْ!

وابتنتْ أمٌ نظيرَ ما أشادْ
قدّت الأحجارَ من قلبٍ رقيقْ

عِوضَ الإبريز ِ جادت بالسوادْ
من عيون العطفِ والحب العميقْ

لم يرَ الناسُ جهوداً أو عناءْ
لم ترَ العينُ بما قامتْ أثرْ

فنبا الشكرانُ عنها والثناءْ
للذي لا يُستبانُ بالنظرْ

معبدُ البنـّاءِ ولىَّ وانهدمْ
وغدا طيفاً بعيداً كالسرابْ

حُسِبَ قد صارَ في طي العدمْ
بعدما تناثرَ فوق الترابْ

هيكلُ الأم ِ يدومُ للدهورْ
لا يدانيهِ فناءٌ أو لحودْ

وهنا المقصودُ من مَعنى السطورْ
معبدُ الطفل المعدّ ُللخلودْ!

الرباعيــــــــات
والآنَ هذي رباعياتي التي
نظمتها كقطعة ٍ من مهجتي

وضعتُ فيها تجربة ْ ذاتية ْ
رغمَ السنينَ فهي فتية ْ

أهديها من قلبي لكمْ يا صحبي
مع أطيب الأماني ومع حبي..

أي شيءٍ يا تـُرى.. فيهِ توثيقُ العُرى
فيه تأليفُ المشاعِرْ.. فيهِ ربحُ من شرا

ما رأتهُ العينُ يوماً.. بل بهِ القلبُ درى
ذلكَ جذبُ المحبة.. وبعينيها يرى!

***
أي بر ٍ لا يُبارى.. فيه نورٌ ومنارة ْ
فيهِ قِسطاسٌ لقوم .. فيهِ نبراسُ الحيارى
فيهِ تصحيحٌ لنهج ٍ.. فيهِ صحوٌ لسكارى
ذلك كنزُ المحبة.. فلهُ أبغ ِ ادخارا

***
من أرادَ وعظ َ قوم ٍ بعبارات المقال ِ
وارتضى باللفظ ِ نصحاً دونَ تأكيد الفعال ِ
وعظـُه ُ لا يُجدي نفعاً كالمياهِ في السلال ِ
لا إلى الأقوال ِ يُنظرْ بل للقدوة ْ والمثال ِ!

***

يا طويلَ العمر ِِ لا تنظرْ سوى حُسن البديعْ
في الزهور ِ والطيور وبأجفان الرضيعْ
وبنفح الروض ِ في فصل الربيعْ
وبشكر القلب ِ مغسولا ً برقراق الدموع ْ

***

في غصون الغار ِ يَهمسْ وبطلعْ الأقحوانْ
وبود الجار ِ نلمسْ عَطفـَهُ الضافي الحنانْ
ليتنا نصبو إليهِ طولَ أيام الزمانْ
فنرى الفردوسَ في الأرض ِ ونحيا في أمان

***

مَنْ يَقـُلْ نحنُ بعصر ٍ يؤمِنُ بالمَعمل ِ
وبكل ِ ما للحسِّ والتجريب ِ يخضعْ من عل ِ
إنما المخبَرُ يُخبر.. وببرهان ٍ جلي
أنهُ من خلق ِ عقل المرءِ مخلوق العلي

***
أو يَقـُلْ لسنا بحاجة ْ لخواطرْ فائقة ْ
حَسبُنا المنظورُ يحوي كلَّ حِجة صادقة ْ
ربما المرئيُ باتَ حاجزاً أو عائقا
إن حسِبناهُ عتيداً، سرمدياً خالقا!

***
يا نزيلَ الأرض ِ لا تأملْ خلوداً في الخواءْ
هذه الدنيا وما فيها أخيراً للفناءْ
جسدٌ منكَ وحسبُ صيغَ من طين ٍ وماءْ
إنما والحق ِ جئتَ أنتَ من قلب السماءْ

***

كنتَ بالأمس ِ ملاكاً يتماوجْ في الفضا
يعرفُ الحاضرَ والآتي وكلَ ما مضى
يـُبصرُ الأنوارَ، يسطعْ، من محياه الرضا
يستقي من سلسبيل ٍ لا يدانيهِ اللظى

***

لم يكنْ حدٌ ليفصُلْ بينـَكَ والمُبدع ِ
لم يكنْ حزنٌ ليترع ْ عينـَكَ بالأدمع ِ
ما عرفتَ الغمَّ والهمَّ ولا كنتَ تعي
غير ديمومةِ للغبطة ْ يُلازمها الوعي

***

من ديار الخلدِ جئتَ وهجعتَ في الهشيمْ
ونسيتَ المنزلَ الأعلى وفردوسَ النعيمْ
خِلتَ أن كلَّ ما فيكَ نهايتهُ رميمْ
ليتك تدركُ أنَ جوهرَ الروح ِ سليمْ!

***

من وراء الغيم ِ ترنو، تبتغي رؤيا الضياءْ
وتعاني ثم تعنو، طالباً بعض الدواءْ
فيكَ، في أعماق ذاتِكْ، كلُ إكسير الشفاءْ
إن تيقنتَ بأن اللهَ والنفسَ سواءْ!

***

غـَذ ِّ في النفس اشتياقاً إلى ما فوقَ النجومْ
واملأ القلبَ حنيناً تنتفي منه الهمومْ
وتأكـَّدْ أن ما في الكون من شيءٍ يدومْ
إلا خلا ّقُ البرايا، مُنتهى كل العلومْ

***

قد رأيتُ الناسَ في نأي ٍ عن الكنزْ الفريدْ
بل رأيتُ الناسَ يشكونَ من المُرّ المبيدْ
إن تقلْ هذا رحيقٌ.. قالوا: زقومٌ صديدْ
أو تقلْ هذا زعافٌ.. قالوا: بل شهدٌ أكيد!

***
هل غدا الشرُ شراباً مستساغاً يُحتسى؟
أبغبِ الراح ِ مَنجىً من هموم ٍ وأسى؟
أم بتفكير ٍ منير ٍ في صباح ٍ ومسا؟
في التأملاتِ جُرعة ْ عَذبُها لا يُنتسى!

***
يا رفاقَ الدرب ِ غوصوا في محيطات المعارفْ
وذروا قالا ً وقلنا للذي يهوى السفاسفْ
كونوا عنوانَ المفاخرْ.. سارعوا نحو المشارفْ
بددوا شملَ التناحرْ.. بالتلاطفْ والتعاطفْ

***

يا مثالَ الخير ِ كن شخصاً لمجموع الفضائلْ
وليكنْ قلبُكَ بحراً يحتوي أندى الشمائلْ
وتصبّرْ في الشدائدْ وتبصّرْ في المسائلْ
وتبسّم إنما البسمة ُ عنوان التفاؤلْ

***

لا منَ اللذاتِ نروي كلَّ شوق ٍ للقلبْ
إن فعلنا قد سكبنا الزيتَ ما فوقَ اللهبْ
وانتفى منا طموحٌ وتملـّكنا التعبْ
والهـِمم تمسي رماداً لا كنيران الحطبْ

***
في جمال الله نـُرضي كلَّ ميلٍ للفؤادْ
في التلال ِ في السهول ِ في الحقول ِ في الوهادْ
في القناعة ْ في الوداعة ْ في التأمُلْ بانفرادْ
في الوفاءِ في الرضاءِ في المحبة ْ للعبادْ

***

كل يوم ٍ فيهِ ندنو من وداع ٍ ورحيلْ
عظة ٌ مرسومة ْ للناس ِ بألوان الأصيلْ
وبأوراق الخريف ِ وبأنفاس العليلْ
مثلما كانوا وبانوا، سوفَ نهجر الطلولْ

***

بانفرادٍ قد أتينا وسنذهبْ بانفرادْ
فلِمَ نصرفُ كلَ الوقتِ ما بين العبادْ؟
دعنا ندخلْ مَقدَسَ الروح إذا رمنا السدادْ
فتباركنا السماءُ ويدانينا المرادْ

***

لا تسِرْ دربَ الجموع ِ، لا تسلْ رأيَ الجماعة ْ
بل ترقـّبْ للشعاع ِ يأتي مع صِدق الضراعة ْ
لإلهٍ غير لاهٍ ، يتهللْ للوداعة ْ
ولنفس ٍ تؤمنُ بالخلدِ حساً وسماعا

***

لا منَ الصمّاء نغرف بل من الطامي الغزيرْ
ومن الكرمة ِ نقطـُف، ليسَ من شوكٍ مريرْ
صخرة ُ الأوهام ترسُبْ، وكذا الشوكُ يطيرْ
في التأملْ نتوصلْ إلى أقداس الأمورْ

***

من نِقاط الغيثِ تزهو الأرضُ بالنبتْ النضيرْ
وكذا الأنهارُ تجري ملأى بالماء النـَميرْ
قطرة ُ خير ٍ وأخرى، تملأ ُ النفسَ بنورْ
إن صنعنا البـِرَ سِراً نبني بيتاً في الأثيرْ

***

ليسَ في الدنيا تشابُهْ بين ذاتٍ وسواها
حكمة ٌ للهِ لا تـُدركْ ولا يُعرفْ مداها
فتفرّد بمناقبْ قلما غيرُكْ حواها
وتجردْ عن شوائبْ لا تسِرُ من رآها

***

ها هو البَدرُ يبزُّ كل لألاء النجومْ
وشعاعُ الشمس ِ يسطعْ فوق أكداس الغيومْ
ليتنا نمسي شموساً تمحي ديجورَ الظلامْ
حبذا نغدو دروساً في المحبة والسلامْ

***

عُد إلى قلب الحياة ِ وارتشفْ عذبَ السرورْ
وانشدْ النشوة ْ بقلبٍ قوتـُهُ قدس الأمورْ
إن تفكرتَ بروح ٍ وصفا فيكَ الشعورْ
لا إلى لحدٍ تصيرُ، بل إلى أمن ٍ ونورْ

***

ما تقولُ مبعث السحرِ بأشخاص الأنامْ؟
لا منَ الأجسام ِ تهوي إثر داء ٍ واصطدامْ
بل من الأرواح تزخرْ بودادٍ ووئامْ
عاشِقُ الأجسام ِ يُخفِقْ، لا يدانيه المرامْ

***

مثلما تسري العُصارة ْ بين ألياف النباتْ
وتخضبها اخضرارا فيه أسرار الحياة ْ
هكذا الروحُ يلوحُ في رسوم الكائناتْ
فبه الإنسانُ يحيا قبلَ أو بعدَ الممات

***


التحرُّقْ سيولـِّد الولـَّعْ
والولـَّعْ يُفضي لرغبة بامتلاكْ
ثم يأتي بعد هذا الإشتهاءْ
والهوَسْ ثمَّ الغضبْ ثمَ الهلاكْ

***

بالسكينة ْ يتبددْ حُزنـُكَ
ويزولُ العبءُ عن كاهِلِكَ
ومتى قلبـُكَ لاقى راحة ً
فلكَ الحكمة ُ والحكمة ْ لكَ

***

إنما لا حِكمة ْ من دون انسجامْ
لا تأمُلْ دونَ عقلٍ متزنْ
لا سلامَ دونَ تفكيرٍ سليمْ
والفرحْ لا يأتي من غيرِ سلامْ

***

عندما الفكرُ يهروِّلْ مُسرعا
خلفَ أهواء الحواس العاتية ْ
تـَلعبُ الأهواءُ بالحِكمة ْ كما
تقذفُ الريحُ بأوراق الخريفْ
(فيصيرُ عندها العقلُ خفيفْ)

***

إنَّ من يصبو لإشراقٍ سعيدْ
يترفـّع عن هيام ٍ بالحواسْ
هذا ما يعرفهُ كلُ مريد
إذ يُثابُ بنعيم ٍ لا يُقاس

***

هادئ النفس ِ يرى نورَ الإلهْ
رغمَ أن الناسَ في ليلٍ بهيمْ
والذي يحسُبهُ الناسُ نهارا
هو ليلٌ وظلامٌ للحكيمْ

***

مثلما الماءُ يصبُّ في المحيط ْ
والمحيط ُ لا يفيضُ ماؤهُ
هكذا يبقى الحكيمُ راسخاً
في سلام ٍ دائم ٍ لا يأبَهُ
مهما دقـَّتْ رغباتٌ بابَهُ

***
إن من يهجُرَ كلَّ الرغباتْ
والتملـُّكْ والصلفْ والكبرياءْ
سوفُ يحظى ببلوغ الأمنياتْ
ومباهجْ ما لها من إنتهاءْ


إن روحَ الربِّ قصدُ الكائناتْ
عندما يُبلـَغُ يرتاحُ الفؤادْ
حتى في آخر ِ ساعات الحياة ْ
يمكنُ للمَرءِ إدراكَ المرادْ
ويصلْ للمصدرِ نبع السلامْ

***

إن دربين ِ يقودا للكمالْ
ها هنا الآنَ كما في السابق ِ
دربُ حكمة ْ وكذا دربُ اشتغالْ
خدمة ً للناس ِ أو للخالِق ِ

***
إن إنساناً حكيماً يتحكـَّمْ بقواهْ
دونَ قيدٍ وارتباط ٍ بمتاهات الحياهْ
يَعرفُ كيفَ يسيّرْ.. كلَّ طاقاتٍ لديهِ
رأيُهُ رأيٌ سليمٌ.. يُركـَن دوماً إليهِ

***

كم يلجُّ الشوقُ فينا لارتيادٍ وارتشافْ
ونرى في الحس ِ سقياً يدفعُ يَبسَ الجفافْ
منه نـُتخمْ ثم نـَسقم، إذ يمازجهُ زعافْ
أنتَ روحٌ وشرابُ الروح ِ أنقى من سُلافْ

***

مَخمصة ْ في النفس ِ تكمُنْ زادُها خبزُ الوجودْ
وأوارٌ لا يُروّى إلا من ماء الخلودْ
أنهُر الترياق ِ تجري، دونها تهوي السدودْ
هذه الخيراتُ مبذولة ْ فدعكَ من صدودْ!

***

عن مسار النور ِ لا تبعُدْ وإن عزَّ الرفيقْ
تابـِعْ السيرَ صديقي حتى منتهى الطريقْ
كلُ من يسلكَ يُدركْ ومن الحلم ِ يفيقْ
فيرى شمسَ الحقيقة ْ، ويعاينَ الشروقْ


قوّتان ِ في الوجودِ في اعتراكٍٍ واصطراع ْ
مطمحُ الأولى رشادٌ، مطمعُ الأخرى ضياع ْ
فالرشادُ للمريدِ كوكبٌ يَهدي الشراع ْ
والضياعُ للجموع ِ يوردَ الحتفَ المريعْ

***

فتحالفْ مع قوى النور ِ ولا تهوَ الدُجى
إن بالحق الترقـّي مع كمال ٍ للحِجى
وثمارُ الشر ِ تفري ويعزُّ المُرتجى
أو هي العَلقمُ يُلقـَمْ، قلَّ من مِنهُ نجا!

***

وتدرَّعْ بيقين ٍ دونـَهُ ثبْتُ الجبال ِ
فالثقة ْ تـَبني بيوتاً فوقَ صخر ٍ لا رمال ِ
فإذا الأنواءُ هبّتْ وطغى مَدُّ السيول ِ
تبقى البيوتُ وطيدة ْ، آمنة ْ شرَّ الزوال ِ

***
كلُ يوم ٍ فيهِ نهجٌ ومجالٌ ومدى
والدُجى يتلوهُ وهجٌ فيه دِفءٌ وهدى
فتعزَّ إن كبوتَ وتوجّستَ الردى
من جديدٍ أنتَ تحيا كلما الفجرُ بدا

***

إن لكَ لاحَ الحبوط ُ بوشاح ٍ أسودِ
أبو بكَ راحَ القنوط ُ يُطفئْ نورَ المعبدِ
فتذكرْ أن ليلاً لن يدومَ لغدِ
إن تجلـّدتَ وجدتَ والتمستَ تهتدِ

***

فتفكرْ وتذكرْ وادخرْ حُسنَ العملْ
وتأملْ وتعللْ بشفاءٍ للعللْ
وتشددْ وتجلـّدْ وامتطِ جُنحَ الأملْ
فيطيبُ القلبُ منكَ والجراحُ تندملْ

***

إنما الأفكارُ بذرٌ لا يعتـّمْ أن يفرّخْ
وفروعُ النبتِ تـُثمِرْ، وفروخُ الزرع ترسخْ
فبذور الشر ِ افن ِ، وجذوع الإثم اشدخْ
وصروح الخير ِ ابن ِ، فصروحُ الخير تشمخْ

***
فكرة ُ الخير ِ شُموسٌ تـُظهرُ وجَه العلي
وبها الفردوسُ يبدو لذوي الرؤيا جلي
قرة ُ عين النبيينَ ومحبوب الولي
من به تحيا دواماً، من نعيم ٍ يمتلي

***

أن قلبَ اللهِ يُفتـَحْ لوديع ٍ وعفيفْ
ففؤادُ الطهر ِ يسري فيه تيارٌ لطيفْ
كلُ ما يصدرُ عن فكر ٍ نقي ٍ ونظيفْ
يتسامى نحو بـُعدٍ، عالي الذروة ْ مُنيفْ

***

هو ينبوعُ الأماني.. ومن الوجدان ِ دان ِ
وصنائعُ يديه ِ بادياتٌ للعيان ِ
يشتهي ودَّ الفؤاد ِ فوقَ تمجيد اللسان ِ
ويقولُ بالمحبة ْ تلتقيني وتراني

***

عجباً ممن يقولُ مُنتهانا للـّحودْ
ليتَ أفكارَ الفناءِ في العقول ِ لا تسودْ
مثلما الأغصانُ تـُزهرْ بعدَ ثلج ٍ وبرودْ
هكذا الإنسانُ يحيا رغم توسيد اللحودْ

***

لا إلى حتفٍ نؤولُ حسبَ تقدير الجَهول ِ
فشعاع النفس ِ لا يَخمُد وإن ماتَ الهيولي
جوهرُ الأزهار ِ مخزونٌ بألياف الأصول ِ
نحنُ نحيا بعدما الجسمُ يصيرُ للزوال ِ

***

حبذا الأقوالُ لو جاءتْ كمخزون الصدورْ
مرحى للإحساس ِ في الناس ِ إذا حاكى العبيرْ
بوركَ الشهمُ وقد أهدى إلى الناس السرورْ
فلهُ في النفس ِ تهليلٌ وتبجيلٌ كبيرْ!

***
قد يحبط المسعى مراراً إنما
ما من مصيبة ْ كاعترافٍ بالفشلْ

لا عيبََ في الإخفاق ِ بل في الكفِّ عن
بذل الجهودِ والرقودِ والمللْ

فإذا طمحتمْ للمعالي فاذكروا
أن النجاحَ في العزيمةِ والأملْ

وإذا بلغتم قمة ً لا تحسبوا
أن المشارفَ حدّها أوجُ الجبلْ

لا حد للكون ِ ومن رامَ العلى
فليعرف الكونَ وباريهِ الأجلّْ!

في رحاب الروح ِ نكسبْ حكمة ً تـُغني العقولْ
تنفرُ من حِدّة الضوضاءْ.. من هرج الرعيلْ
ومن الإكثار ِ من هذر ٍ ومن قيل ٍ وقالْ
ومن الجَهل ِ وقد باتَ عدواً للكمالْ

***

لقد رأيتُ الكثيرَ في الحياة ِ ولمْ
يَلِجْ فؤاديَ مثلَ شهم ٍ مسامح ِ
تراهُ حَليماً يعمرُ الحبُ قلبَهُ
ومنزلهُ في الناس ِ بينَ الجوانح ِ

***
فوقَ جسر الصفح ِ نَعبُرْ لنفوزَ بالنعيمْ
فحريٌّ أن يظلَ الجسرُ في وضع ٍ سليمْ
بوركَ المَعْبَرُ ينقلنا إلى برّ السلامْ
إن تهدَّمْ نتندمْ، ونرى قبحَ الجحيمْ

***



صاح ِ ما عشنا حَذار ِ من رداءٍ للتظاهرْ
يَحجُبُ إشعاعَ نور ٍ، يبرزُ ما في السرائرْ
أيُ شخص ٍ يرتديهِ، هو بالتأكيدِ سافرْ
كلُ من يهوى التصنـُّعْ، إنما للكشف ِ صائِرْ!

***
مُذ ْ جفا اللهَ ابنُ آدمْ، وأطاعَ الكبرياءْ
واحتسَبْ مخزونَ علمِهْ، يحوي من ألفٍ لياءْ
قد غدا جوّابَ قفر ٍ ومن النعمة ْ براءْ
سائراً إن لم يجاف ِ ما أطاعَ للوراءْ

***

بالدمع ِ تـُبصَرُ آفاقٌ مرصَّعة ٌ
تزري بدر ٍ وياقوت ٍ ومرجان ِ
والعينُ تكسبُ صفواً إن هي ذرَفتْ
والقلبُ يُغسَلُ من غث ٍ وأدران ِ

***

إذا في عينكَ جالَ ذوبُ الشوق ِ والودِ
وإن أترعتَ خافقكَ بالإخلاص للعهدِ
بكَ تبزغ ْ أحاسيسٌ فوقَ الحصر ِ والعد ِ
وتشرقْ فيكَ أنوارٌ تـُبددْ ظلمة َ الضدِ
وتملكْ كوكبَ السعدِ

***
خيرَ ما تعطي السماءُ لنا في الأرض الصديقْ
فيهِ حبُّ اللهِ والمعنى العميقْ
وجمالات المحبة ْ وشذا الود العبيقْ
فعنْ الأصحاب فتش بالسراج ِ في الطريقْ!

***
لا يَبزُ نـَفحَ طِيبٍ غيرُ معطار المناقبْ
واتضاعُ القلبِ يُبلِغ ْ صاحبهْ أعلى المراتبْ
ورضيّ الخلق ِ يرضى، لا تكدرهُ المصائبْ
من حوى هذي المزايا ينجو من ناب النوائبْ!

***

إن تعشقتَ ارتيادَ الحق ِ عذب المنهل ِ
وسما شوقُ الفؤادِ لبلوغ الموئل ِ
فبمرقاة المبادئْ أوجَ عز ٍ تعتلي
مبدأ ُ الإخلاص ِ نهجٌ وبه ِ وهجٌ جلي

***

وإذا رمتَ ابتهالاً جافِ تفخيمَ العبارة ْ
فدعاءٌ مثل هذا حاشا أن يبلـُغ قرارا
همسة ُ الوجدان ِ فيها كلُ معنىً وإشارة ْ
فبنـُطق القلبِ نـُسمِعْ، لا بحذق ٍ أو مهارة ْ

***

وكبلـّور ٍ شفيفٍ ينفذ ُ منهُ الضياءْ
لتكنْ نفسُكَ مرآة ً صقيلة ْ بصفاءْ
تعكسُ نورَ القدير ِ مثلَ صفحة السماءْ
وتشعُ منها أقباسٌ صباحاً مع مساءْ

***

مرحى للمخلص ِ فكراً، مع فِعال ٍ وكلامْ
يتمنى الخيرَ والأمنَ لمجموع الأنامْ
يزرعُ أغراسَ حُب ٍ وتآلفْ ووئامْ
تثمرُ دوماً مسرّاتٍ وبَهجة ْ وانسجامْ

***

كنْ كزهر الروض ِ لا ينفـَحْ سوى عذب الأريجْ
ينعشُ الذوقَ بعطرهْ وبمرآه البهيجْ
يُسعدُ الأبصارَ مرآهُ المرصِّع للمروجْ
دونَ إعلام ٍ وإعلان ٍ بطبل ٍ أو صنوجْ!

***

إنما الأزهارُ توحي بنظام ٍ واتساقْ
وبوعي ٍ وبروح ٍ وبألغاز ٍ تـُساقْ
للعقول ِ كيما تصحو، ومن الغفلة ْ تفيقْ
لترى من قد برا، وبتكريم ٍ حقيقْ

***

هلْ نظرتَ الشمعة ْ تفنى، كي تنيرَ الآخرينْ؟
وتذوبُ وتسحُّ دمْعَها الصافي السخينْ!
بوركَ شمعُ التفاني، وكذا دمعُ الحنينْ
وفؤادُ المرءِ إن أعطى وجادَ بالثمينْ

***

هل رأيتَ البرتقالة ْ تكنزُ حلوَ الشرابْ؟
وتجودُ بالرحيق ِ رغمَ تمزيق الإهاب!
جُد بسيّال العذوبة ْ إن تذوّقت العذابْ
فعطاءُ الصفح ِ يرفعْ إلى ما فوق السحابْ

***

إن من رامَ العطاءَ فالمثالُ في الشجرْ
يمنحُ الظلَّ الظليلَ ويجودُ بالثمرْ
فإذا الأغصانُ قـُدّتْ، وإذا الجذعُ نـُشِرْ
لا يكفُّ عن عطاءٍ بسخاءٍ للبشرْ

***

هلْ رأيتَ الحبّة ْ تهجَعْ تحت طيات الثرى؟
ورأيتَ القلبَ منها يمسي قوتاً للورى!
إن من كانَ لغيرهْ، لا يسيرُ القهقرى
بل إلى الأفلاك ِ يسمو، وضيا اللهِ يرى

***


وكذا النحلة ُ تقصدْ، أحلى أزهار الربيعْ
ترتشفْ منها رحيقاً تدّخرهُ للجميعْ
إن من يعطي طعاماً للجياع ِ لا يجوع ْ
بل من الخيرات ِ يُملأ، ببركات البديعْ

***

ما خُلقنا للتعبّدْ لمفاهيمَ ذوَتْ
وعفا الدهرُ عليها، واضمحلـّتْ إذ هَوَتْ
قيمة ُ الإنسان ِ لا تـُعدَمْ إذا الذِمة ْ صَفـَتْ
فمقاسُ الفضل ِ مقرونٌ بما النية ْ حَوَتْ

***

بسلام الروح ِ يحظى مُكرمُ صوت الضميرْ
فمن الوجدان ِ يحكي بارئ الكون ِ القديرْ
تارة ً صمتاً ينادينا وطوراً كالهديرْ
إن سمعنا وشرعنا بالمثول ِ نستنيرْ

***

في سلام القلبِ نلتذ ُ بمصداق اليقينْ
وبصوت الحقِّ يهدينا إلى النهج الأمينْ
وبنا يسري شعورٌ فيهِ شوقٌ وحنينْ
ولنا تـُعطى كنوزُ الفهم ِ والفكر الرزينْ

***

لي بمدح الأم ِ رأيٌ غزُرَت فيه المعاني
وحوى فيه كنوزاً وحلـَتْ فيهِ الأماني
أعذبُ الأصواتِ عندي ليس رنـّات اليماني
بل نداء القلبِ متبوعاً بلفتاتْ الحنان ِ

***

من تراهُ يُغرقُ الإنسانَ في بحر الودادْ؟
من تراهُ يُغدقُ التحنانَ في جودٍ فريدْ؟
من لهُ القدرة ْ على فتح ِ مغاليق الفؤادْ؟
نائبُ الرحمةِ والرحمن ِ ما بينَ العبادْ!

***

كلُ إنسان ٍ لديهِ عَملٌ فيهِ مُناط ْ
واجبٌ كالفرض ِ بالإنجازِ يُفضي للصراط ْ
ويهـِبْ للمرءِ طعمَ البهجة ِ والإغتباط ْ
فإذا أ ُهمِلَ أو مُلَّ فلسعٌ كالسياط ْ

***

إننا ننمو ونسمو باحترام الواجب ِ
والتعمّقْ في التأمُّلْ.. وبفكر ٍ ثاقبِ
وبتقدير ٍ وتقديس ٍ لإسم الواهبِ
وبتعزيز اليقين ِ في فؤاد الراغبِ

***

إني أشجبُ التزمُتْ، والتعصُّبْ والتطرّفْ
وكذا أنعي التأخُّرْ، والتخاذلْ والتخلفْ
بالتظلـُّمْ لستُ أؤمن.. بالتقاعسْ.. بالتأففْ
بل بإيجابٍ وإعجابٍ بكل ِ ما يشرّفْ

***

قد يقولُ البعضُ دعْكَ من تعهدْ بالتزامْ
واطلقْ النفسَ لتـُعربْ عن مرام ٍ وغرامْ
إنما الترخيصُ عجزٌ وتغاض ٍ عن مَهامْ
وهو خِلٌ مخاتلْ، من يصاحِبهُ يُلامْ

***

ليسَ التحررُ من غلٍّ يخلـّصنا
من القيودِ إذا لازمنا ديجورا
فالحرُ يأبى ظلاماً في سجيته ِ
ويكرمُ الخيرَ والإلهامَ والنورا

***

حافزُ الشرِّ كديجور ٍ به قـُبحُ المغبة ْ
أو كبئر ٍ من زعاف ٍ يصرعُ من منه عبَّ
والذي يهوى ارتيادَهْ يزدري قـُدساً وربَّا
إن هو يمضغُ قِشراً، يحسب الممضوغَ لـُبّا

***

مثلما للخير ِ جندٌ ها هنا أو في الأثيرْ
هكذا للشر ِ بندٌ مع فيالقْ ونفيرْ
إنما خذها يقيناً من بصير ٍ بالأمورْ
راية ُُالحق ِ ترفرفْ أبداً دهر الدهورْ

***

قد يجيءُ الزيغُ مُلتفاً بأثواب الصَلاحْ
ويَوَدُّ لو بهِ أبصرنا إشراقَ الصباحْ
لسنا للمظهر ِ ننظرْ بل إلى المعنى الصحيحْ
خلفَ منطوق العِبارة ْ.. وراءَ اللفظ الفصيحْ

***

إن تعمقنا بفكر ٍ وتأملنا الأمورْ
وتبصّرنا القضايا فيما لا تحوي السطورْ
لترنـَّحنا اندهاشاً، مثلَ من عبَّ الخمورْ
ولأدركنا المدبِّر في سياحات الشعورْ

***

هو دمعُ الشوق ِ يُسفـَحْ، ولخير الكل يفرحْ
ولصحو الناس يصبو، ولبؤس المَرء يترَحْ
يسكنُ القلبَ فإن زاغ َ عن الإخلاص ِ يَبرحْ
اصرفْ الأيامَ في التفكير ِ بالمقصودِ تربح

***

ألِقمع ٍ دقَ حجماً أن يقيسَ الأوقيانوسْ؟
أنشبِّهْْ وهجَ شمس ٍ بشعاع ٍ من فانوس؟
كن محيطاً لا يُحاط ُيعكسُ شمسَ الشموسْ
لا تقلْ أيامي تمضي وأصيرُ للرموسْ

***

إنما الكونُ وما فيهِ ظِلالٌ ورسومْ
من هلال ٍ وتلالٍ ورمالٍ ونجومْ
تتلاشى إثرَ دور ٍ مثلما تجلو الغيومْ
بينما الرسامُ يَخـْلـُدْ: جَهبذ ُ الفن العظيمْ

***

أيُ خيرٍ من تشاؤمْ وتجهّمْ وضَجّرْ
وتبرُّم وتألـُّمْ من حماقات البشرْ؟
دعنا نبسُمْ.. دعنا نحسُمْ.. كلَّ أسباب الكدرْ
صورة ُ الرحمن ِ فينا.. وهي خيرُ الصورْ

***

قيلَ لي أن أناساً يهزؤونَ بالحقائقْ
ويودوا لو بدرب العارف ِ ألقوا العوائقْ
هل خبا فيهم ضياءٌ وانتفتْ منهم بوارقْ؟!
لو بعين الفـَهم جالوا لرؤوا ربَّ الخلائقْ


إيقاعات

ذكرياتُ الأمس ِ في الروح ِ سَرَتْ
فأثارتْ في الفؤادِ شجنا


ثم أمستْ قطراتٍ فجَرتْ
مثلَ دمع الغيثِ زارَ السوسنا

لا ترهبنَ اضطلاعاً بالمهام ِ وكـُنْ
كالبحرِ يزخرُ بالأمواه ِ والدرر ِ

وكـُنْ سهولا ً بها رَحبٌ ومُنفسَحٌ
وركنَ عز ٍ يجيرُ الناسَ من خطر ِ

ما حطـَّمَ الناسَ إلا المالُ والطمعُ
وحبُ ذاتٍ ولؤمٌ، أيضاً الجشعُ

أصنامُ وهم ٍ تـُشادُ ثمَ تنهدمُ
وظِلُ ماءٍ إذا ما جيءَ يمتنعُ

إن الفضائلَ لا تـُحصى بجملتها
لأن أصلـَها في الوهّابِ مقرونُ

لكنَ أمراً يلخـّصْها ويشمُلـُها
عرفانُ فضل ٍ وقد آواهُ وجدانُ

إن الثراءَ يُقاسُ بالشعور ِ فإنْ
شعرنا حقاً ملكنا منجمَ ماس ِ

وإن عجزنا عن الإحساس ِ لا عجباً
إن كنا صفراً ولو وعظنا بالناس ِ

يا نفسُ صبراً على الأحداث ِ وابتسمي
ولا يهمّكِ ما قد قيلَ أو شاعا

كم حاولَ الليلُ أن يخفي تألقك ِ
فزدتِ في العتمة ِ الظلماءِ إشعاعا!
لا تأمننَ صديقاً كانَ قد صَحِبَ
إثنين قبلـَكَ ثمَ عليهما انقلـَبَ

تأبى الشهامة ُ أن تأوي لخافقهِ
ما دامَ يضمرُ غِشاً أو يـَقـُل كذِبا

وإن عثرتَ على المخلِصْ فأنتَ به ِ
أغنى بذمتي ممن كدَّس الذهبا

لا يقذفُ الناسَ بالحجارة ْ من سكنَ
بيتَ الزجاج ِ وإلا حطـّمَ السكنا

ومن يعاينُ عيباً في الأنام ِ يروا
فيه ِ المعايبَ والأوضارَ والدرنا

إشراقة ُ الروح ِ كم أصبو لمنهلك ِ
وكمْ أعللُ في لقياك ِ أيامي!

يهفو الفؤادُ إليكِ حينَ أذكرك ِ
وترتجي النفسُ مرأى وجهك ِ السامي

أنتِ التحررُ من هم ٍ ومن جزَع ٍ
ومن ظلام ٍ ومن خوفٍ وآلام ِ

لا زلتُ أرنو إليكِ والحنينُ غدا
كجارف السيل ِ ينشدْ بحرك ِ الطامي

لو أنني سئلتُ عن ماهية الخلاق
وقيلَ أيَ مظهر ٍ تختار أو تشتاق؟

ألفيتني أرنو إلى الفضاءْ
مفتشاً عن وجهه الوضّاءْ

كي آتي بالجوابْ.. أخالهُ اللـُبابْ
أستوحيَ الضميرْ..أغوص في التفكيرْ

لعلني للحلِّ أهتدي وأجتني السدادْ
وأضع العمادْ لمنهج ٍ فريدْ!

يوحي لي الوجدانْ عن مظهر الديّانْ
بأنه الحبُ الذي في قلبه ِ الأمانْ

والعطفُ والتحنانْ
لكائن ٍ من كان

برمهنسيات
( Samadhiالنشوة الكونية)

قد تلاشتْ حُجُبُ النورِ كما
ولـّتْ الأحزانُ والظِلُ اختفى

ومضى الفجرُ وإشعاعُ المُنى
وسرابُ الحس ِ ولىَّ وانتفى

فالمحبة ْ والكراهية ْ على
شاشة الأضدادِ أمستْ كالعدمْ

وكذا العيشُ أو الموتُ ولا
من أثر ٍ لعافية ْ أو للسقمْ

موجُ ضحكٍ من شعوري برحَ
حاملا ً أصدافَ هُزءٍ وعبثْ

هذي ذابتْ وشعرتُ الفرحَ
يغرقُ الحزنَ، وما الغمُ لبثْ

صولجانُ الفطنةِ الكبرى لمسْ
نوءَ وهم ٍ فعلى الفور ِ هجَعْ

بيدَ أنَ الكونَ كانَ يختلسْ
فرصة ً كي يغزو وعيي المتسعْ

إني أحيا خارجَ الظل المديدْ
ذاكَ ظلٌ ما لهُ عني انفصالْ

مثلما البحرُ بلا موج ٍ يميدْ
إنما الموجُ بلا بحر ٍ محالْ

ذابتْ الأحلامُ واليقظة ْ كما
أقلعَ الإغراقُ ذو البُعدْ العميقْ

حاضرٌ مع ماضي عهدٍ هُدِمَ
ومن المستقبل ِ زالَ البريقْ

حيثني الموجودُ في كل ِ مكانْ
دائمُ اليقظة ِ حيٌّ للأبدْ

متدفقْ من مسامات الزمانْ
خلفَ منظور ٍ هنا أو في الجَلـَدْ

قد رشفتُ وابتلعتُ الأنجُما
والنيازكْ والكواكِبْ والشموسْ

وانفجارات ٍ بأرض ٍ وسما
وسيولَ الحشر ِ ما بعدَ الرموسْ

وكذا الأنهارَ: أنهارُ السكونْ
وبراكينَ الضياء المتقدْ

وخواطرْ سائر الخلق ِ بكـَونْ
من قديم ٍ وآني ٍ وأبدْ

وجميعُ الليف ِ في العشب انصهرْ
في كياني مع وجودي والأنامْ

كلُّ ذرّة من تراب ٍ منتشرْ
مازجت روحي وذابتْ في السلامْ

وشربتُ الحِنقَ أيضاً والطمعْ
والخلاصَ.. والصلاحَ والردي

كلـّها حولتـُها بحراً يشعْ
من دِما ذاتي سنياً وندي

وسرورٌ خانقٌ من نفخة ٍ
للتأملْ يعمي مُقلة ْ قاطِرة ْ

فـُجِّرَ في لهبٍ من غبطة ٍ
لاقماً جسمي وعيني الماطرة ْ

أنتَ ذاتي وأنا الذاتُ كما
عالمٌ.. معلومُ.. علمٌ.. مُتحدْ

رعشة ٌ للحسِّ حـّلت عندما
فيها تيار المسرّات اتقدْ

وسلامٌ فيه ِ تجديدٌ عظيمْ
متعة ٌ تسمو على حَدّ الخيالْ

هذه النشوة ُ جودٌ من كريمْ
واتحادٌ فيهِ للشوق اكتمالْ

ما هي غيبوبة ْ عن وعي ٍ ولا
جرعة ْ منُ تخدير ِ بل أمرٌ أكيدْ

فيهِ توسيعْ المداركْ للعُلا
خلفَ محسوس ٍ إلى البُعد البعيدْ

فأنا البحرُ الخضمُ الشاملُ
أرقـُبُ الذاتَ الصغيرة ْ بي تعومْ

يقظ ٌ، منتبهٌ، متفائِلُ
أبصرُ الأطيارَ تهجعْ أو تحومْ
وكذا الذرات ِ في صلب التخومْ

كلُ صقع ٍ في الفضاءِ يسبَحُ
في دمي مثلَ جبالٍ من جليد

بتُ وعياً ووعاءً يَطفحُ
بالذي يزخـُرْ بهِ الكونُ العتيدْ

هذهِ الحالاتُ تأتي للمريدْ
باشتياقٍ ظامئ ٍ للمعرفة ْ

وتأمُلْ حسبَ تعليم الرشيدْ:
غبطة ٌ فيها ينابيع الشفا

تـُسمعُ الذراتُ في همس ٍ رقيقْ
والجبالُ مثلَ سائلْ منصهرْ

وكذا الأصقاعُ والوادي العميقْ
والبحارُ كسديم ٍ منتثرْ

هذا صوتُ أوم على سطح المياهْ
يرفعُ الأوهامَ، فيا للعجبْ

ومحيطاتٌ مضيئة ْ في تباهْ
تقفُ مكشوفة ً دونَ حُجُبْ



ذابَ صوتُ الكون ِ في قلب السكونْ
وتلاشى الكلُ في نور الوجودْ


وشعرتُ الخفقَ في كل القلوبْ
غبطة ً فيها التحرر من قيودْ
وابتهاجاً يـُبْلِغُ شط َّ الخلود

هذه الأقنعة ْ من صُلب ٍ ونورْ
وبخار ٍ وسوائلْ ترتفعْ

أما روحي فبأفلاكٍ تدورْ
نحوَ ذاتي الكبرى تواً تندفعْ

للأبدْ ولـّى خيالُ ذاكرة ْ
ميّتة ْ لا تعرِفُ غيرَ الظِلالْ

أفقُ نفسي صار حقاً نيّرا
تحتي، فوقي، وأمامي، في جَلالْ
فالأبدْ إشعاعهُ دونَ زوالْ

وإذا كنتُ فقاعة ْ عائمة ْ
فوقَ أمواج ٍ من الضحك ِ فقدْ

صرتُ بحورَ المسرة ْ الدائمة ْ
واغتباطي بانتشائي لا يُحدْ!

  

لا تجزعي يا نفسي لا.. لا تجزعي!

لا تجزعي مهما الحياة ُ أسرفتْ
في جورها وتعسَّفتْ، لا تجزعي

وتعشمي الأنوارَ حتى في الدُجى
فالشمسُ في الأفق ِ وإن لم تسطع ِ

وتبسّمي مثلَ البراعم ِ للندى
وتنسمي عبقَ الصبا المتضوع ِ



وإذا المآسي قرَّحتْ أجفانـَك ِ
فالعينُ تصفو بانهمار الأدمع ِ

والشوكُ إن أدمى الأنامِلَ وخزُهُ
فالوردُ يهمسُ عِطرهُ لو تسمعي!

وتذكري أن وجودَكِ لازمٌ
للكون ِ صنوٌ للشهاب الألمعي

إن كنتِ تخشينَ الحياة َ وبأسها
فتوجهي بالروح ِ نحو المبدع ِ

وودّعي دنيا الغرور تأمني
وقلبَك ِ عند الأمين ِ أودعي

وامشي على درب الحقيقة ِ تـُبصري
نورَ الوجودِ وعندها لن تـُخدَعي

لا تعْبسي، لا تيأسي، لا تحبسي
النهدات ِ والآهات ِ بين الأضلع ِ

لا تقنطي فالعيشُ يزخرُ بالأملْ
وإذا شعرت ِ بالتوجِّس ِ فارجعي

فإذا فعلتِ سوفَ تلقينَ الرضا
وإذا اندفعتِ أخشى أن تتوجعي

لا تقفزي وسط الظلام ِ فربما
صادفتِ ما لا تقدري أن تدفعي

بل اسلكي درباً أميناً تهنئي
بالخير ِ كل الخير من بحر الوعي

ما زالَ ربُك ِ ساكنا ً في عَمقِكِ
في الروح ِ في الوجدان غير مقنـّع ِ
لا تجزعي.. يا نفسي لا.. لا تجزعي!

والآنَ فلنقرأ وصية ْ صادقة ْ
فيها مشاعر مع أفكار ٍ سامقة ْ



نظمها الصديقُ للصديق ِ
قبل افتراق العمر ِ والطريق ِ

فكلُ بيتٍ فيه حسٌ صادقُ
وكلُ معنى بالمودة ِْ عابقُ

***
صديقي عندما نفسي تفارقْ
هشيمَ الأرض ِ.. أحلامَ السُباتِ

فلا تأسُ لفقدي أو ترتلْ
ترانيمَ المراثي المبكياتِ

ولا تغرُسْ جفنات الوردِ حولي
ولا أشجارَ سرو ٍ باسقاتِ

كن الطلَّ النديَّ على ترابي
وزخات الغيوث الهاطلاتِ

كن الأعشابَ حولي يا صديقي
وأهداب الأقاحي الباسماتِ

وإن رُمتَ لقائيَ بعد هذا
ستبصرني بكل الكائناتِ

واذكرْ إن أردتَ وإن سلوتَ
فلا لومَ عليكَ مدى الحياةِ!

بعدَ الوصية هذي أبياتٌ بها
فكرٌ عميقٌ هيا نستمع ْ لها

من نظم روديارد كيبلنغ المعروفِ
ترجمتـُها إلى بني معروف ِ

***
إن كنتَ تمشي وترنو للفضا الصافي
وتبصرُ الشمسَ تسكبْ نورها الشافي

وإن بعزمكَ آمنتَ ولو نكركْ
كلُ الأنام ِ وقالوا أنكَ غافِ

وإن كـُرهتَ ولم تبعثْ مثيلتها
لقلبِ حاقدِ أو وجدانه ِ الجافي

وإن رأيتَ رعيلَ الناس ِ منهمكاً
بالقيل ِ والقال ِ من هذر ٍ وإسفافِ

وإن بسَمْتَ لإخفاق ٍ وترقية ٍ
وقلتَ ما أستحقُ يأتي بالوافي

وظلَّ فكركَ في الآفاق معتلقاً
يعاينُ اللهَ في المنظورِ والخافي

وإن شعرتَ وحيداً في الكفاح ِ ولمْ
يهُنْ بكَ العزمُ أو إحساسُكَ الدافي

فأنتَ صاحبُ الدنيا بأكملها
وأنتَ كفؤٌ وللمواقف كافِ

والآنَ إلى عهدِ برمهنسا
ووعده ِ بأنهُ لن ينسى..

***
When I take the Vow of Silence
By Paramahansa Yogananda

عندما أقطعُ عهداً بالسكوتْ
كيما أبقى مع حبيبي في انسجامْ

أنعمُ بينَ ذراعيهِ اللتين ِ
تغمرا الكونَ العظيمْ

سوفَ أبقى سامعاً ألحانـَهُ
وأناشيدَ السلام ِ والنعيمْ

مُبصراً مخبوءَ أطيافٍ
وقدسيَّ تجلّ ٍ ورؤيا للعليمْ..

بيدَ أني سوفَ لا أنساكمُ
وسأرمقكمْ بصمتٍ واهتمامْ

تخطرونَ فوقي في الأعشابِ
في نبت الأديمْ

أو تروني ناضراً في الغصن ِ
مخضرّاً بأوراق الكرومْ

وسأرعاكمْ بعطف القلبِ
والأم الرؤومْ

من خلال قرمز الزهر ِ
المضمّخ بالوئامْ

مما يجلبْ لكمُ البهجة َ
والغبطة ْ وإحساس السلامْ

وأطوّقكمْ وأداعبكمْ
بأعطاف النسيمْ

كيما أنجدكمْ من الخوفِ
ومن ظل الهمومْ

وأغلفكمْ بنور الشمس ِ
يوحي بالدفء الحميمْ

عندما الوحشة ُ تنسَلُّ
برعشة ْ للصميمْ

حينما للبحر ِ ترنونَ
تروني في الخضمْ

واحداً مع ربي في الأفق ِ
ونيليّ الخيامْ


فيها إشعاعٌ لجينيٌّ
ولازورد كريمْ

سوف لا أنطقُ قطعاً
إلا من عقل ٍ فهيمْ

ومن الوجدان ِ إن شئتُ
سأعتبْ أو ألومْ



من محبتكمْ سأقنعكمْ
وخفـّاق الهيامْ

علكم تصبونَ للمعبودِ
شوقاً كالوحامْ

سوف أغريكمْ ولكنَّ
بإغراءٍ سليمْ


للتمتعْ بوداد الربِ
ينبوع الهيامْ

وتناسوني إذا شئتم
ولا تنسوا الرحيمْ

فإذا باتَ بذكراكم ذكرتوني
على طول الدوامْ!

والآنَ.. فلنستذكرْ الماضي البعيدْ
فالذكرى تطربُ الإحساسَ كالنشيدْ..

  

هيا نطوي للوراء ِ أعواماً طويلة ْ
ونعودُ بالذكرى إلى عهد الطفولة ْ

يومَ كنا نملأ الجوَّ ابتساماً وحبورا
ونسيرُ في حقول ٍ

رشّها الفجرُ رذاذاً لؤلؤياً
مازجَ الحسنُ عبيرا!

كانتْ الوادي وما زالت وهاتيك الدروبْ
يوم سرنا وتبادلنا أحاديثَ الغروبْ

وسمعنا الطيرَ يشدو
ورأينا الطفلَ يعدو

وغرسنا الشوقَ في فصل الشتاءْ
حولَ كومات ٍ من الجمر بجو ٍ من رضاءْ

نشربُ الشايَ ونصغي للحكايا
نقرأ ُ تلكَ الرواية ْ

ويطول ُ الليلُ من ثم يوافينا الكرى
فننامُ بعدما الأمنُ إلى القلب سرى

تلك أيامٌ سعيدة ْْ
هل تعودُ يا ترى؟!


والآنَ أهدي هذه الأبياتِ
لمن لهمْ مودة ٌ في ذاتي

تحية ً من منبع ِ أعماقي
وفيها نبضُ الخافق الخفاق ِ..

حفظ َ اللهُ العشيرة ْ
ذات المزايا النضيرة ْ

وأدامَ الوِفقَ والتوفيقَ
أنهاراً غزيرة ْ

لتظلَ أسرة ً يكلؤها الباري
ويرعاها صغيراً وكبيرا

ويظلُ الشَملُ ملتماً
على طِيبْ السريرة ْ

ففي التلاقي يقينٌ
وفي التفرُّق ِ حيرة ْ

وفي التآلف ِ خيرٌ
لمنْ يحبّذ َُ خيرا

وفي التعاضدِ عزمٌ
وفي الخذلان ِ مرارة ْ

وفي التوافق ِ ربحٌ
وفي الشِقاق ِ خسارة ْ



فلتحتفظ ْ بالثوابتْ
ولتكن لها منارة

ولتبقَ طوداً وطيداً
صامداً مثل الحجارة ْْ

لقد مَشينا طويلا ً
على دروب ٍ عسيرة ْ

وواجهتنا صعابٌ
وتدبـّرنا أمورا

لنا في التوحيدِ وهجٌ
يظلُ دوماً منيرا

يتحدى زعزعَ الريح ِ
يبدد الديجورا

إنَّ في الباشا افتخاراً
وعزة ً وشعارا

وفي الريّان ِ عقولٌ
راجحة ٌ وكبيرة ْ

وفي الأردنَ نشامى
نفوسُهُمْ مستنيرة ْ

يُحسنونَ تصريفَ الأمور ِ
بإدراك البصيرة ْ

فهـُمُ ما زالوا نِبراساً
ومِلحاً وخميرة ْ

هـُمُ للباطن ِ حِرزٌ
وللحكمة ْ ذخيرة ْ

حفِظ َ المولى العشيرة ْ
وليكنْ هاديها دوماً
وليدمْ لها نصيراً ومجيرا
والسلام عليكم
محمود عباس مسعود
الولايات المتحدة

























































































































































































































ألفية
إبن الجبل
نظم
محمود عباس مسعود




ألفية
إبن الجبل

نظم
محمود مسعود

No comments:

Post a Comment

Followers